تلطفت فأوصيتني بكتمان الحديث الذي دار بيني وبينك في حضرة (الصديق العظيم) الذي يحل وداده من قلبي وقلبك أعز مكان، وأنا أستطيع النص على اسم ذلك (الصديق العظيم) بلا تهيب لعواقب العتاب، لأن للحديث الذي جرى بين وبينك في حضرته صلة وثيقة بأصول المذاهب الأدبية التي يشتجر حولها الخلاف في كثير من الأحايين. فإن قلت أن هذا (الصديق العظيم) خلع على ذلك الحديث حلة من الدعابة التي نشهد بما يملك من عذوبة الروح، وأنه قد يكره أن يشار إلى اسمه في مجال الدعابة والظرف، فإني أجيب بأن ذلك (الصديق العظيم) أرحب صدراً مما تظن، وهو أكبر من أن يرى أن جلال المنصب يمنع من التندر الجميل.
لا خوف من النص على اسم ذلك الصديق، ولكني سأعمل بوصيتك ليصح لي القول بأني لا أتمرد عليك في كل وقت، وليصح لك الظن بأني اقدر على مراعاة الظروف حين أشاء.
ثم ماذا؟
ثم أستطيع لنفسي التحدث عن بعض ما شجر بيني وبينك. ويظهر أن المقادير لا تريد أن أسكت عنك أو تسكت عني، وفي ذلك الخير كل الخير لو تعرف وأعرف. وهل ارتفع العقل إلا بفضل الخلاف؟ وهل يتصور الناس وجوداً للحيوية التشريعية لو لم يثر الخلاف بين الشافعية والحنفية؟ وهل تأصلت مشكلات النحو والصرف إلا بفضل الجدال بين البصريين والكوفيين؟ وهل تفوق العقل المصري في العصر الحديث إلا بسبب النزاع حول القديم والجديد، والصراع حول المذاهب الاجتماعية والأحزاب السياسية؟
أن الخلاف نعمة عظيمة جدا، ويا ويلنا إذا لم نختلف فكيف تريد أن أكون صديقاً ظريفاً لا تسمع منه غير الكلام المعسول؟
وهل قل الظرفاء من أصدقائك حتى تطالبني بما تعجز عنه سجيتي؟
إن (بداوة الطبع) التي كثر الكلام في ذمها وتجريحها لم تكن من المثالب إلا في كلام الشعوبية، وهم قوم أرادوا الغض من الشمائل العربية، ولولا ذلك الهجوم الأثيم لبقيت من