في الغرفات الكبرى من وزارة المعارف ضجة منذ أسبوعين ما بين رجال الإدارة ورجال التعليم في البحث عن أمثل الطرق لتدريس اللغة العربية في المدارس المصرية. والموضوع لخطره وقوة أثره يستحق هذه الضجة في الوزارة، ويستوجب هذه العناية من الوزير، ويسمح لغير الرسميين من رجال القلم أن يصدعوا فيه بكلمة الحق التي لا توحيها رغبة رئيس ولا مجاملة مؤلف. فإن من القضايا المسلَّمة أن خيبة الوزارة في تعليم الأدب العربي وقواعده كانت خيبة للنهضة الثقافية في مصر الحديثة، لأن الذين يبتغون العلم من العامة لا يملكون أن يقرءوا، والذين يريدون التعليم من الخاصة لا يستطيعون أن يكتبوا؛ فبقيت الأمة أمية في عصر فرغت فيه الأمم من البحث في الألف والباء، والأفعال والأسماء، لسبر أغوار المجهول من النفس والطبيعة
صحيح أن خيبة الوزارة عامةٌ في فروع الثقافة المختلفة، ودرجاتها المتعددة، لأنها إلى اليوم لم تستطع أن تخرج الإنسان المثقف الذي يعرف كيف يعيش، ولا الرجل الموظف الذي يدري كيف يعمل؛ ولكنها لو كانت نجحت في تعليم العربية لخلقت من تلامذتها قراء يكملون نقصهم بالدرس، ويقوّون ضعفهم بالاطلاع، ويتصلون من طريق القراءة بالفكر البشري العام في مناحي تصوره وتطوره وإنتاجه. فإني أومن بأن تعليم الشعب لغته هي أصل الأصول في ثقافته العامة؛ فإذا صلح محا الأمية، وخلق القومية، وكون الأخلاق، ووحد الميول، وقوى المواهب، ونشر المعرفة، وروّج الأدب، ووسع النهضة؛ وإذا فسد أصحاب الأمة بنمط عجيب من الأمية المغرورة والجهالة السفيهة، فيكثر العلماء ويقل العلم، وينتشر الأدباء ويموت الأدب
منذ أن ذهبت ثورة الاستقلال بدنلوب وسياسة دنلوب حاول البانون على أثره أن يرفعوا البناء فلم يرتفع، ثم جهدوا أن يدعموه بتقارير الخبراء ومناهج اللجان فلم يندعم. ذلك لأنهم لا يزالون يبنون على أسس دنلوب وقواعده؛ وأسس دنلوب وقواعده هي أولئك الموظفون المخضرمون الذين نشأهم المستشار على آلية التعليم حتى صارت فيهم عقيدة، وأخذهم (بروتين) النظام حتى أصبح لهم فطرة. فإذا كان القيم على أمر الوزارة قويًّا انطوت هذه