للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الفئة انطواء القنافذ، وتركوا النشاط للشباب ذوي العلم والخبرة، فغّيروا المناهج، وقوّموا الخطط، ورسموا الغاية، وبدّلوا الكتب، وبدءوا التجربة؛ وإذا كان ضعيفاً بسطت سلطانها على كل إرادة، ورجعيتها على تجديد، فاحتسبت الإيرادات في الرءوس، واستقرت الأنظمة في المكاتب، وعاد الدولاب القديم يدور دورانه البطيء بالتأليف المريب لجواز الامتحان، والتعليم الفج لبلوغ الوظيفة. لذلك لم يكن بد من قصور البنيان بين البناء والهدم، وتذبذب الإصلاح بين الرأي والعزم، وعجز المدرسة المصرية عن تنشئة الجيل الذي يكون له مع العلم خلق، ومع العمل ضمير، ومع الشهادة إرادة. ومن أجل ذلك لا نبالغ في تقويم الفوائد المرجوة من هذه اللجان ما دام الأمر لا يخرج عن جلسات تعقد، ومقترحات تناقش، وتقريرات تقدم، وقرارات تصدر، ثم لا تبقى إلا بقاء الوزير في الوزارة

ليس من شأن المدرسة ولا في مقدورها أن تخرج الطالب عالماً يبتكر ويخلق؛ وإنما شأنها وجهدها أن تخرجه متعلماً يقرأ ويبحث؛ فإذا لم تصنع القارئ فأنها لم تصنع شيئاً. والقارئ الطُّلعَة من صنع معلم اللغة، لأن القراءة أداة اكتساب البلاغة، واللغة والأدب قبل كل شيء تقليد ومحاكاة؛ فواجبه أن يشوق الطالب بروائع الفن، ويغريه ببراعة الذهن، ويأخذه بدوافع التكليف حتى ينطبع على القراءة بالمران والعادة. ومتى أخذ الرجل يقرأ فقل إنه أخذ يَعلم. فهل استطاع تدريس اللغة العربية في مدى مائة عام خلت أن يجعل مصر أمة قارئة؟ قد تجيب مصلحة الإحصاء بأنه علم الخط كذا رجلاً في المائة؛ ولكنها لا تحير جواباً إذا أردنا من القراءة التتبع والفهم والتحصيل. والقراءة بهذا المعنى هي الفارق بين شاب تعلم في المدارس في المصرية، وبين آخر درس في المعاهد الأجنبية

قضيت في تعليم العربية وآدابها خمساً وعشرين سنة لا أفتري على الحق إذا قلت إنها كانت مثمرة. ولعلها آتت هذه الثمار لأني على ما كان في نفسي من حب الأدب لم أتقيد بطريقة كتاب ولا نصيحة مفتش ولا نص منهاج. وقد لخصت تجارب هذه الحقبة في مقال نشرته بكتابي (في أصول الأدب) أستطيع أن أجمله في كلمتين: أن تكون طريقة المعلم استنتاج القواعد من الأدب ودرس الأدب في المطالعة، وأن تكون غاية المتعلم قراءة ما يُكتب وكتابة ما يُقرأ. وسبيل ذلك كتاب ومعلم ورابطة. فالكتاب شرطه أن يكون أدباً ليصقل الذوق ويربي الملكة؛ والمعلم شرطه أن يكون أديباً ليملك ما يعطى ويحسن ما

<<  <  ج:
ص:  >  >>