[دين المتنبي]
٣ - أبو الطيب المتنبي
للأستاذ محمد محي الدين عبد المجيد
ثم يقول بعد ذلك في شأن سيف الدولة:
رأيتكم لا يصون العرض جاركم ... ولا يدر على مرعاكم اللبن
جزاء كل قريب منكم ملل ... وحظ كل محب منكم ضغن
وتغضبون على من نال رفدكم ... حتى يعاقبه التنغيص والمنن
فغادر الهجر ما بيني وبينكم ... بهماء تكذب فيها العين والأذن
وكان كلما نازعته نفسه إلى سيف الدولة واستشعر شيئاً من الأسف على فراقه يعلل نفسه بأنه لقي أهلا بأهل فيقول:
وأخلاق كافور إذا شئت مدحه ... وإن لم أشأ تملي علي فأكتب
إذا ترك الإنسان أهلا وراءه ... ويمم كفوراً فما يتغرب
ولكنه ما عتم أن اجتوى كافوراً وتبرم به ويئس مما كن أمله فيه، فلما اعتزم أن يتركه أسف على غدره ونازعته نفسه إلى ممدوحه الأول وهو يهجو كافورا:
وفارقت خير الناس قاصد شرهم ... وأكرمهم طرا لآلامهم طرا
فعاقبني المخصي بالغدر جازيا ... لأن رحيلي كان عن حلب غدرا
وما كنت إلا فائل الرأي لم أعن ... بحزم ولا استصحبت في وجهتي حجرا
ومع أنه يعترف بالغدر فقد حانت له فرصة ليعود إلى الوفاء فلم يهتبلها، تلك أن سيف الدولة حين علم رجوعه من مصر أرسل إليه ابنه بهدية فاكتفى بأن يرسل إليه قصيدة يقول فيها:
كلما رحبت بنا الروض قلنا ... حلب قصدنا وأنت السبيل
فيك مرعى جيادنا والمطايا ... وإليها وجيفنا والذميل
والمسمون بالأمير كثير ... والأمير الذي بها المأمول
الذي زلت عنه شرقاً وغرباً ... ونداه مقابلي ما يزول
ومعي أينما سلكت كأني ... كل وجه له بوجهي كفيل