للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

بذلك من استعادة خيالاته، وتصوراته الروحية الشائقة؛ فانتعشت روحه واطمأنت نفسه، ورضى عن حاله تلك بعض الرضى؛ فسولت له النفس الاستزادة من العيش، لكنه ما عتم أن اصطدمت الروح والمادة في ميدان نفسه، فاحتدم النزاع بينهما احتداما؛ إذ أن فقره المدقع وعدم إقبال الصحف على نشر آثاره، وشعوره بفضيحة أمره، جميعها ملأت حياته كآبة وألماً، وزادت عيشه ضنكاً ومضضاً؛ فاستسلم لليأس والقنوط، وعاودته فكرة الانتحار؛ لكنه عزّ عليه الموت في ريعان الشباب، فقاوم فكرة الموت، وعقد النية على دراسة الطب مؤملاً من وراء ذلك سعادة وغبطة دنيوية دائمة، فراسل أصدقاءه يطلب المؤازرة، لكنه باء بالفشل، فكانت تلك آخر خفقة في سراج حياته، إذ عاد على أثر ذلك إلى صومعته عازماً على الموت المحتم، فتجرّع الزرنيخ، بعد أن مزق كل ما عثر عليه من آثاره الأدبية غير المنشورة.

وهكذا كانت حياته صراعاً بين البؤس والهناء، واليأس والأمل، والقناعة والطموح، والموت والحياة؛ حتى غلب البؤس في النهاية على الهناء، وانتصر اليأس على الأمل، فانهار ذلك البنيان الروحي الرخيص تحت كاهل المادة ولما يبلغ بعد من العمر عتياً، فكانت وفاته في ٢٤ أغسطس سنة ١٧٧٠ عن ١٧ سنة ونحو ٩ أشهر.

لو أتيح له أن يعمر طويلاً لربما بذّ الكثيرين من أعاظم الشعراء، وتبوأ مكاناً ليس بعيداً من شكسبير وغوته ودانتي.

وتقديراً لنبوغه أقام هواة أدبه نصباً تذكارياً لاسمه في ساحة كنيسة ردكلف في برستل، نقشوا عليه كلمات مقتبسة من وصيته الأخيرة، وهي:

(ذكرى طوماس تشاترتن، لا تحكم عليّ أيها القارئ إن كنت تقيّاً؛ إذ الحكم لقوةٍ عليا؛ ولهذه القوة وحدها سأجيب. . . .).

(يتبع)

جريس القسوس

<<  <  ج:
ص:  >  >>