منذ أعوام أصدر مستشار الريخ كتابه (كفاحي) متضمناً السياسة التي عول على السير بمقتضاها، وهي سياسة صريحة لا مراوغة فيها ولا مداورة. فهل كان هتلر هو خالق هذه المبادئ وواضع تلك السياسة؟
يرى فريق من المتتبعين لتطور السياسة الألمانية في نهاية القرن الماضي أن كل ما جاء به دكتاتور ألمانيا إنما هو مأخوذ عن المبادئ التي وضعها الأستاذ هنريك فن تريتشكي أستاذ التاريخ الحديث في جامعة برلين وبثها في محاضرات ألقاها على القوم في فريبرج ولينرج وبرلين، أيام كانت ألمانيا تحرز النصر تلو النصر على الدانيمرك والنمسا وفرنسا (أعني في المدة ما بين ١٨٦٦ - ١٨٧٢) ووقت أن كانت تحتاج ألمانيا إلى روح من (مركب النقص) تدفعها على الدوام لأن تتبوأ القمة بين دول أوربا
يقول الأستاذ همبدن جاكسون في بحث نشره عن نظريات تريتشكي:(يحتمل أن تكون آراء تريتشكي قد استمدت مباشرة من كتاب (كفاحي)، لولا أنها ظهرت قبل أن يعرف الوجود هذا الكتاب بنصف قرن) ولقد كتب تريتشكي يقول:(إن الحكومة هي القوة، ووظيفة الحكومة الجوهرية هي شن الغارات، وبدونها لا تكون هناك حكومة قط، فلولا الحرب ما كانت الدولة. وينبغي أن يجعل المرء شعاره على الدوام: (إن الحروب دواء الأمم المريضة) كما أنه في الساعة التي تقول فيها الحكومة: (إن كياني ووجودي في خطر) ينبغي أن يغفل المرء البحث عن مركزه الاجتماعي، وأن يتناسى كل حزب خصومته، وينكر كل فرد ذاته، وأن يعتقد أن ليست حياته بشيء إن هي قيست بخير المجموع. وفي هذه اللحظة ذاتها تتجلى عظمة الحرب التي تقول بوجوب تلاشي الضعيف، أما المثل الأعلى للسياسة فهو الذي ينشد الحرب بينما تنفر منها المادية. ما أبعد الأخلاق عن الواقع حينما تحقر شأن الغلبة في الكيان الإنساني)
ولقد حذا هتلر حذو تريتشكي فما حاد عن تعاليمه قيد شعرة، فقال عن المعاهدات:(ليس في وسع أية حكومة أن تجعل مستقبلها رهن مستقبل حكومة أخرى، فلكل دولة الحق في أن تعلن الحرب متى شاءت، كما أن لها الحق في أن تنقض أية معاهدة متى رأت فيها غلا لها. إن لكل زمن معاهدة)
لم يقتف هتلر خطى الزعيم المدرس المتوفى عام ١٨٩٥ في السياسة فحسب، بل اتبعه في