كل ما يكتبه رائع، ولكن أروع ما يكتبه هو النقد، وقد كنت أقرأ للأستاذ بيرم فأحسبه كتبه بعد كراهية عقلية لما ينقده، واقتناع فكري أو خيالي بأن هذا الأمر الذي ينقده قائم على أخطاء يجب أن تزال حتى لا ينهض عليها من الأخطاء ما سيتدعي النقد. فلما لقيت الأستاذ بيرم رأيت فيه أنه يكره بقلبه كراهية التحريم كل هذه الأمور والشخوص التي ينقدها، وقد يعلم القارئ أن كثيراً جداً من نقد بيرم منصب على الرجال الذين يسميهم (خناشير) تذكيراً بغيضاً بخشونتهم وتبشيعاً لها وانتصاراً منها لرقة الأنوثة ودلالها. . . قد يعلم القارئ هذا. . . فهل يعلم القارئ أني رأيت الرجل هكذا حقاً يكره الرجال ويستثقل ظلهم ولا يكاد يطيق صحبتهم، ويمقت من يقول إن فيهم حسناً وإن في عشرتهم راحة. وهو لذلك يفر من الناس فراراً ويستخفي في الشارب العامة في زواياها على نواصي الشوارع المائجة ويجلس مغمض العينين ولكنه يرى. . . وهو يرى من ثقب في إحدى عينيه - لعلها اليمنى - ولا أدري كيف انثقب وإن كنت أراه تجويفاً استدار في ملتقى الجفنين منهما فراغ هو نصف الدائرة. . . وكلما مر في الطريق رجال هرب الأستاذ بإنسان عينه من وراء الثقب فلم يرهم، فإذا مر في الطريق غير الرجال تألق الإنسان من وراء الثقب وارتعد
ومن هذا الثقب يرى الأستاذ بيرم كل شئ، ولعل هذا هو السر في أنه يرى أبعد وأعمق مما يرى الناس، فهو كعدسة الميكروسكوب تجمع الأشعة للعين في مستقيم واحد حيزه مجموع وهدفه دقيق. . .
وكما أن بصر الأستاذ بيرم مكرسكوب، فإن بصيرته ميكروسكوب أيضاً. . . فضاح لا