يغيب عنه إلا ما يشاء الله أن يخفيه وإذا شاء الله أن يخفي على الأستاذ بيرم شيئاً حفز فيه قوة انتباهه، فيستيقظ في نفسه سوء الظن بما يسمع ويرى، فيخطئ الحكم. . . وسبحان الذي لا يغفل ولا يخطئ.
الأستاذ محمد الههياوي:
أعوذ بالله من غضب الله ومن غضبه. هو صاحب القلم الذي كان سعد زغلول ينتظر قوله فيه أسبوعاً بعد أسبوع، ليطمئن على كيانه أسبوعاً بعد أسبوع. فكما كان سعد أزهرياً فناناً عبقرياً؛ فالأستاذ الههياوي أزهري فنان عبقري، كانت وقفاته من سعد كوقفات سعد، وكانت كلماته في سعد من الرواج مثل كلمات سعد؛ فلعله كان أشد الناس حزناً على وفاة سعد، إذ فقد الههياوي بوفاته قريعه وضريبه الذي كان يستنبع من زعامته مادة فنه، والذي كان يستخلص بالبراعة والحدة من كلامه وفعاله أهدافاً لهجومه ونقده. بل لعله كان أشد الناس حباً لسعد وقتما كان يبدو للناس أنه أشد الناس مضياً في خصومته وعداوته، فأنا لا أستطيع أن أتصور فناناً عبقرياً يمقت فناناً عبقرياً، والنبي كان يطلب للإسلام أن يعزه الله بعمر، فلم يكن سعد أيضاً يكره ناقده.
الدكتور طه:
ويا لطول شقائي بالدكتور طه! الناقد الجبار الذي لم يستطع أن ينقذني أنا! كنت أنقش وأنا في العباسية الثانوية على أركان كراساتي وكتبي أربعة أسماء. . . نقشتها على كل كراسة وعلى كل كتاب هي:(مصر. سعد. طه حسين. سيد درويش) وكان أساتذة اللغة العربية في العباسية الثانوية ينهونني عن الدكتور طه والكفر، فكنت أثور وأعرض نفسي لسخطهم وعقابهم ما لم تنقذني شفاعة من أحد الأساتذة الثلاثة المستنيرين الذين يحبون معي الدكتور طه وهم: محمود مرعي، ومصطفى السقا، وأحمد الشايب. وسماني زملائي في الثانوية باسمه من فرط ما كنت أقلده في تفكيره وأسلوبه. وأحسب نفسي لا أزال إلى اليوم مطبوعاً بطابعه. ولما كنت في كلية الآداب كنت أضع على عيني منظاراً أسود إمعاناً مني في (الطحسنة). وفي معهد التربية كان زملائي وبعض أساتذتي يجلسونني إليهم ويطلبون مني أن أحدثهم أي حديث وأنا الدكتور طه. . . وعندما كان الأستاذ الههياوي مشرفاً علي في