للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[ذات الثوب الأرجواني]

للأستاذ إبراهيم عبد القادر المازني

(تنبيه: الكلام كله تخيل ولا أصل أو حقيقة له)

- ٧ -

طلبت من الريف ما لا سبيل إليه في هذه المدينة العظيمة ذات العمائر الشامخة، والبنى الرفيعة، والهواء الحبيس، والنفوس المروضة على تكلف غير طباعها. وكان بعض قومي قد سبقوني؛ فأنبأتهم أني لاحق بهم، وإذا ببرقية تردني منهم يقولون فيها (هات فتنة معك) فلم أدرِ ما - أو من - (فتنة) هذه. . أقطة هي يا ترى؟ أم فتاة؟ أم كلبة؟ أم ماذا؟. . . وكنت أعد حقائبي، ومكتب البرق بعيد مني، وحدثتني نفسي أنهم يعرفون أني لا أعرف (فتنة). فالأرجح أن يكونوا قد أبرقوا إليها لتتصل بي، أو لأصاحبها إذا كانت حيواناً. وقلت سأسافر على كل حال في الوقت المعين. جاءت (فتنة) أم لم تجئ. وأقبلت على الحقيبة أحشر فيها - فما لي قدرة على الترتيب والتنظيم - ما اقدر أن سأحتاج إليه، وإذا بالباب يقرع قرعاً مزعجاً لا عهد لي به، ففزعت ومضيت إليه على عجل مخافة أن يكسره الطارق. ودار في نفسي أن هكذا دق (تيمون الأثيني) باب الآخرة حين انحدر إليها بعد أن وافاه حينه الذي كان ينتظره بصبر فارغ من فرط كرهه للناس، فإن أساطير اليونان تزعم أن الناس يهبطون بعد موتهم إلى وادي الظلال، وهناك يحشدون في الفجر ويعدون وتقيد أسمائهم ثم يركبونهم زورقاً - غير بخاري بالطبع - إلى وادي القنوط حيث يكون الحساب. ومن غرائب هذه الأسطورة أن على كل راكب أو محمول في هذا الزورق أن يؤدي أجرة العبور إلى وادي القنوط. . . وقد ضحكت وأنا أذكر هذا إذ أمشي إلى الباب، وقلت لنفسي والله أن بيتي لكوادي القنوط بفضل (ذات الثوب الأرجواني) وما أخلقني حين أفتح الباب لهذا الزائر المستعجل أن أرحب به بهذه الأبيات القديمة التي نظمتها لمناسبة شبيهة بهذه:

(دارنا مغرب أنوار الحياءْ ... من رآها لم ير الضوء الطليق

ما لمن يهوى إليها من نجاءْ ... ما لما يغرب فيها من شروق

<<  <  ج:
ص:  >  >>