للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[الدين والسلوك الإنساني]

للأستاذ عمر حليق

- ١ -

توطئة:

يواجه الدين في العالم المعاصر موجتين من التحدي: أحدهما الحادية لا ترى في الدين إلا (تخلصا من الواقع) ولجوءاً إلى التحذيرات الروحية التي أبرز فيها أنها توجه السلوك الإنساني توجيها سلبياً إزاء مشاكل الحياة، ومن ثم إزاء عناصر التقدم والسعادة البشرية. هذه الموجة هي محور الهجوم الماركسي على الحياة الدينية.

والموجة الأخرى لا تمت إلى الفلسفة الماركسية إلا بصلة غير مباشرة ولكنها تماثلها في الابتعاد عن الحقيقية الدينية. أعنى بها موجة التحلل من القيم تتزعمها الآن الحضارة الأمريكية وتنقلها إلى سائر بقاع الأرض مواصلات فكرية أتقن الأمريكيون وسائلها إتقانا بارعا في السينمائية والصور الفوتوغرافية والصحافة ومؤسسات الإعلان والدعاية والقصص الحديثة، وألف نوع ونوع من وسائل الاتصال الفكري الذي يهيمن الآن على القسم الأعظم من صحافة العالم وإنتاجه الأدبي والفني.

ووجه الخطورة في الموجة الثانية أنها في حل من أن تتهم بالدعوة إلى التفسير المادي للتاريخ على النحو الذي يدعو إليه الشيوعيون. ولكنها في الواقع تفعل ذلك، وفوقه عنصر من أخطر العناصر في السلوك الإنساني وهو تركيز النشاط الفكري في حرية الغريرة والعاطفة والأهواء.

ومن أوجه الخطورة كذلك في هذه الموجة التي تنزعها الحضارة الأمريكية المعاصرة إحاطتها بهالة من التقدير والإعجاب بدعوى أنها من الشواهد الأصلية على التقديم الحضري وتوجيه السلوك الإنساني نحو قسط وافر من السعادة والهناء.

فحرية الغريزة والطلاق الشهوات والأهواء التي تمخضت عنها حضارة فرنسا اللاتينية في أواخر القرن الماضي وأوائل القرن الحاضر والتي تحمل الآن الدعوة الحضارة الأنجلو سكسونية، هذه الحرية أصبحت الآن جزءا جوهريا من مبادئ التحرر السياسي والفكري

<<  <  ج:
ص:  >  >>