تفضلت وزارة الشئون الاجتماعية فدعتني لأتحدث إلى الشباب في مطامحه. ولعلها بتلك الدعوة أحسنت الظن برجل طالما اتصل بشبابنا المثقفين، وأنه وإن حالت ظروفه دون وفرة الاتصال بهم، ففيما يحفظونه له من ود كريم، وفيما يحفظه لهم من حب وحنان، ما يسوغ مد الأسباب بينه وبينهم ليفضي إليهم بما يعتقده خيراً وحقاً
فللوزارة إذن شكري الخالص، إذ أتاحت لي فرصة التحدث إلى أبناء العروبة عامة، وإلى أبناء وطني وكلهم أمل باسم مرموق لبلادهم العزيزة، وللشباب أنفسهم صادق دعواتي لعيشة راضية يملأها البشر والتفائل، وتنتشر منها مكارم الأخلاق وصدق العزائم، وتفيض بنعم المعنويات
لقد نشأ الشباب الحاضر في فترة من الزمن تمتد بين حربين عظيمتين، وتصطبغ بشر المنازع للنفوس الأمارة بالسوء، وتتجلى فيها مساوئ الحياة المادية والآلية وتبدو عليها متاعب الأنانية والجشع، وتلوح منها مكاره المخادعة والعناد، وتلتزمها مخازي التحلل من القيود الأدبية، وتظهر فيها مخاطر الانحراف عن المنطق السليم، وتكتنفها مهازل الركون إلى النظم المنهارة البالية، مما انتهى إلى تباين في الحظوظ من مغانم هذه الحياة، وتنافر بين الشعوب والطبقات، وتباغض وتناحر بلا هوادة ولا رحمة. . .
ولو ذهبنا نستعرض ناشئة العالم المتحضر لوجدنا في بعض بلاد الغرب شباباً قد ترعرع في أجواء مسممة من أثر اليتم والأحقاد والغرور، مما كان له خطره الواضح في الانقلابات والثورات والأزمات وحدوث هذه الحرب الدامية
أما في بلاد أخرى كبلادنا العربية التي تأثرت بنتائج الحرب الماضية، فثم تغييرات سياسية، واضطرابات داخلية، وشهوات حزبية، ونزعات نفسية، وانقسامات واختلافات في الآراء، وثم تحرج عند شتى المشكلات العمرانية والثقافية والاقتصادية، مما انتهى بطائفة من شبابنا إلى الحيرة والإشفاق من المستقبل، والتشاؤم، وفتور الخلق والنزوع إلى الوصولية، والاستخفاف بالمألوف. . .