الأستاذ بجامعة كونيكسبرج، والأستاذ بالجامعة المصرية
تكلمنا في المحاضرتين السابقتين عن مسائل تتعلّق بثلاثة أدوار قديمة من تاريخ الشرع الإسلامي، وهي العصر الجاهلي - وليسمح لي بإدخاله في هذا النطاق الواسع - وعصر فقهاء المدينة السبعة، والعصر الذي تكونت فيه المذاهب الكبرى. فالآن، ونحن مستمرون على السير بموجب الترتيب الزمني، ننتهي إلى دور تندر مصادره؛ فمن العجب أن نلاحظ أنه لم يبلغنا إلا القليل جداً من مؤلفات الزمن بين بدايات المذاهب (التي توجد لها مصادر معاصرة ولو لو تطبع كلها) والنهضة العظيمة التي بلغها علم الفقه في القرن الخامس للهجرة، ونتيجة هذا الدور لابد أن تكون ذلك بالتنظيم والتنسيق للفقه الذي نشاهد أكمل مظاهره عند المذاهب الثلاثة في وقت واحد تقريبا: للحنفية على يد القدوري، وللشافعية على يد الغزالي، وللمالكية على يد سيدي خليل. ويلوح أنه ليس مستحيلاً أن نتمكن من اكتشاف وثائق أكثر تبياناً لهذا الدور الغامض، إذا ما وجدنا أن بعض مؤلفات أبي جعفر الطحاوي الفقيه المصري المشهور وبعض الكتب الأخرى التابعة لذلك العصر قد كانت حليفة البقاء. وقبل أن يتحقق هذا الأمل علينا أن نقتبس معلوماتنا من الكتب التي تعالج اختلاف الفقهاء، وهي كتب هدتنا المصادفة الغريبة إلى عدد غير قليل منها راجع إلى القرن الرابع الذي نبحث عنه، وهذا مما يبرر بضع ملاحظات على هذا النوع من كتب الفقه على العموم. فقد ذكرنا في محاضرتنا السابقة أول كتاب وضع في هذا الفن وهو كتاب الحجج لمحمد بن الحسن الشيباني. فهذا الكتاب يشترك مع بضع رسائل للشافعي في غرض يحتمل أنه أحدث هذا الفن كله، وهو مجادلة المعارضين التي تستلزم بطبيعة الحال إبداء آرائهم. وأما كتاب اختلاف الفقهاء لابن جرير الطبري الذي ذكرناه أيضاً قبلاً فيحل فيه محل هذا الغرض شيء آخر، هو المقارنة والموازنة بين أقوال المتقدمين تأسيساً لمذهب المؤلف نفسه؛ وأن هذا الكتاب أولى أن ينسب إلى القرن الثالث وإن كان مؤلفه قد