نعم، شعره منقسم إلى قسمين: نوع لا يدرك كنهه إلا الدين أوتوا حظاً وافراً من العلم، والذوق الأدبي، وهو الذي أخرجه للمتعلمين والمتأدبين خاصة، وفيه فلسفة وشعر وحكمة وانتقاد لنظريات فلاسفة الغرب وآرائهم. وقسم فيه الدعوة إلى الجهاد وإيقاظ النائمين من سباتهم وإماطة اللثام عن وجه الحضارة الغربية والسياسة العصرية وغيرهما من العظات وأسرار الطبيعة؛ وهذا يمكن فهمه والانتفاع به لكل من له إلمام بالشعر والأدب. وفوق ذلك أن بعض كلماته كالشكوى إلى الله (شكوه) وشكاة الأمة إلى نبيها (فرياد أمت) تنشدها العامة وتهتز لها طرباً، لأن الشاعر أعرب فيها عن عواطف جمهور الأمة فصادفت هوى في قلوبهم. وأضرب لك مثلاً بكلمته الشهيرة السائرة الشكوى إلى الله (شكوه) التي شكا فيها الأمة ورفع شكاتها إلى الله تعالى من إنعامه على الكافرين وإغداق النعم عليهم وسوء حال المسلمين في العالم وغيرهما من أمور يشكو منها المسلمون في هذا العصر ويتذمرون عليها في هذه الحياة الدنيا. وقد بدأها الشاعر بقوله:
(ربنا اسمع قليلا شكوى عبادك الأوفياء المخلصين، واستمع هنيهة لشكاة الذين تلهج ألسنتهم دائماً بالثناء عليك، ولا ريب أننا معروفون بالصبر والاستسلام للقضاء، لكنا نسمعك الآن نفثات القلوب المكلومة لأن نوائب الأيام أجبرتنا على ذلك).
إلى أن رفع عقيرته قائلا:
(كان يسكن هذه المعمورة السلاجقة والطورانيون، وكذلك كان أهل الصين في الصين والساسانيون في بلاد فارس وأيضاً كان يقطن اليونانيون بهذه الأرض الواسعة. ولكن قل لي بنفسك: أيهم تناول السيف بيده لإعلاء كلمتك؟ وأيهم قام لإصلاح المجتمع وقطع دابر الفساد من الأرض؟).