كانت مناهضة الأحزاب السياسية والفرق الدينية للبيت الأمويّ اللغمَ الذي أخذ يقوّض دعائمه شيئاً فشيئاً، حتى أنهار ولم تقم له قائمة بعد ذلك. وسنسوق بعض التفاصيل عن الأفكار التي أدّت إلى تطاحن هذه الطوائف، وعن العوامل التي دعتها إلى السخط على النظام القائم، ثم نُثّني ببضع كلمات قلائل عن الفرق الدينية وعقائدها كالمعتزلة والمرجئة والصوفية، ثم التكلم عن أدبهم الذائع الذي كان جُلُّه شعراً، وعن حملة لوائه البارزين.
كانت وجهة معارضي الأمويين سياسيةً بادئ ذي بدء، إذ كان معنى تولي معاوية الحكم انتصار الشام على العراق، ومن ثم أصبحت دمشق عاصمة الدولة، وحلت محل الكوفة، وقد لاحظ (فلهوزن): (أن أشد الصيحات خطراً على بني أمية كانت منبعثة من العراق، فلم تكن صيحة حزب خاص بذاته، ولكنها صدى صوت جميع العرب المقيمين هناك، والذين اتفقوا جميعاً على استنكار ضياع استقلالهم وعلى كراهية أولئك الذين آل إليهم الأمر). وفي هذا الوقت نفسه اصطبغت هذه المشاعر بروح دينية، واتخذت من الدين عوناً لها، وسقط النظام الجديد مذموماً موسوماً بسمة الشرك، وبناءً على مبلغ تقدير المسلمين لمعنى الواجب، كان لزاماً على كل رجل حرّ عاقل أن يعمل على إزالة أسباب ذلك المنكر، ومن بين الأحزاب العديدة التي نهضت بأعباء هذا الأمر، يمكننا أن نتبين أربع جماعات وحّد بينها غرض مشترك، وتعاونت في سبيل تنفيذ فكرتها، تلك هي:
(ا) المسلمون عامة المتمسكون بالدين، الذي كان يتألف منهم أهل السنة.
(ب) الخوارج ويمكن تسميتهم (بالمتطهرين) وهم شديدو التطرف في نزعتهم الدينية.
(ج) الشيعة أو أنصار عليّ وآل بيته.
(د) الموالي: وهم المسلمون من غير العرب.
ومن الجليّ الواضح أن الفريق الأول (الذي كان دعاته وأنصاره الفقهاء وحفظة القرآن وصحابة الرسول وتابعيهم)، كان هذا الفريق كارهاً للحكومة التي أرغم على طاعتها والخضوع لسلطانها. أما الاعتقاد بأن القوة التي كان يمثلها الطغاة ومؤيدهم قد وطأت الحق