كما جاء به القرآن والسنة، فقد جعل الكثيرين يقحمون أنفسهم في غمار ثورة هائلة؛ ويقال: إن خمسة آلاف قد لقوا مصرعهم في حادثة تخريب المدينة، كما عزف آخرون عن الدنيا أمثال الحسن البصري، وسلكوا سبيل الزهد بعد أن يئسوا من الإصلاح، وقد كان لهذا الاتجاه عواقب خطيرة الشأن كما سنرى.
لما رضي عليّ بعد (صِفّين) بالتحكيم فيما شجر بينه وبين معاوية من خلاف حول مشكلة الخلافة لأمه الكثيرون من جنده ورموه بخيانة العهد، إذ كان - كما يعدّونه - الخليفة المنتخب عن جدارة واستحقاق، فكان لزاماً عليه أن يستمسك بمنصبه السامي ويضحي من أجله بكل ثمين، وفي طريق العودة إلى أمصارهم أنسلخ الساخطون ويقدّر عددهم باثني عشر ألف رجل، وعسكروا في بلدة تدعى (حردراء) على مقربة من الكوفة وصاحوا جميعاً: (لا حكم إلا الله)، وبذلك أظهروا اعتراضهم على التحكيم بتلك العبارة ولم يجيزوه. وحاول عليّ - دون جدوى - أن يستميلهم إلى جانبه، فأبوا عليه ذلك، وانتخبوا خليفة من بينهم، واجتمع في (النهروان) أربعة آلاف من صناديدهم المغاوير ثائرين عليه، فلما أشرف عليهم على وسط جموع جيشه اللجب تفرّق أكثرهم خوف لقائه. أما الباقون، فقد ثبتوا في أماكنهم، وآثروا الموت في سبيل الذّب عن إيمانهم ومعتقداتهم، وأصبحت مكانة (النهروان) عند الخوارج بمنزلة (كربلاء) عند الشيعة الذين اعتبروهم منذ ذلك اليوم أعداءً لهم. وقد ظلت ثورات الخوارج قائمة طوال صدر دولة بني أمية، إلا أن الحركة بلغت أقصى شدّتها وعنفها في سنوات الاضطراب التي حدثت عقب موت يزيد، فانتشر (الأزارقة) في العراق وفي جنوبي فارس، على حين استطاعت شعبة أخرى - وهي النجدية - التسلط على جزء كبير من بلاد العرب وإخضاعها لنفوذها. ولقد ظلّ العُصاة زمناً طويلاً مقيمين على مناهضتهم ومقاومتهم لعبد الملك، ولم يقلعوا على التمرد، حتى قام الحجاج سنة سبع وتسعين وستمائة، فأخمد ثورتهم التي كانت تحت رئاسة زعيمهم شبيب.
ويقال إن كلمة (خارجي) ترجع إلى آية في القرآن جاء فيها (ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغماً كثيراً وسَعَةً، ومن يخرج من بيته مهاجراً إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقعَ أجرُهُ على الله وكان الله غفوراً رحيماً) وعلى ذلك فالمقصود من كلمة (خارجي) ذلك الذي يهجر مُقامه بين الكفار ابتغاء مرضاة الله، وكذلك تتصل بلفظ (مهاجر)