للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[رسالة العلم]

في بيوت النمل

للأستاذ أحمد علي الشحات

ما من حشرة أكثر انتشاراً على سطح المعمورة من النملة، وقد يبدو عجيباً أن تستطيع هذه الحشرة الصغيرة أن تهيئ نفسها للأجواء والبيئات المختلفة؛ فكما أنها تعيش في أوربا تعيش كذلك في أفريقية - وفي الجبال والأودية، وفي الغابات والصحارى، وعلى شواطئ الأنهار والبحيرات. وقد أحصى العلماء ستة آلاف نوع من النمل تختلف في الحجم والشكل والعادات واللون، فمنها ما لا يزيد طولها عن ملليمتر ومنها ما يصل طولها إلى بوصة. ومنها الأسود والأحمر والبني والأصفر والأخضر وما تضاربت وجهات نظر العلماء كما تضاربت في تعليل عادات النمل ونشاطه وهل مصدرها التفكير أم الغريزة؟

والنملة في الاجتهاد والمثابرة يضرب بها المثل. فمن الهزيع الأخير من الليل إلى غروب الشمس تظل دائبة على العمل في نقل غذائها وتخزينه، أو بناء مأوى لها، وتستطيع أن تحمل ما يزيد على أضعاف وزنها من المواد، فقد أجرى العالم فوريل بعض التجارب فوجد أن النملة تستطيع أن تحمل ما يفوق وزنها ستين مرة.

وقد درس فرولوف وهو عالم روسي يشتغل بدراسة الأحياء بعض عادات النمل، فأتى بصندوق ونزوع أحد جوانبه واستعاض عنه بلوح زجاجي شفاف حتى يشاهد منه حركات النمل، ونزع كذلك السطح العلوي ليدخل الهواء منه إلى الصندوق، ولكنه وضع نسيجاً شفافاً مكانه حتى لا يهرب منه النمل، وسد ما قد يكون من ثغرات دقيقة بمعجون ليضمن عدم خروج النمل، ووضع أمام اللوح الزجاجي ستاراً ليحجب الضوء عنه - وبمجراف ودلو أخذ جزءاً من كوم طبيعي صغير للنم - بما احتواه منه ومن بيض وبقايا نباتات، وما يكون قد وجد فيه غير ذلك - من غابة تبعد ثمانين ياردة عن معمله ووضعه في الصندوق. فلما استعاد النمل هدوءه بعد نقله من موطنه الطبيعي بدأ نشاطه وأخذ ينظم بيته الجديد فخصص مكاناً أميناً للبيض ونقله بعناية إليه، وأقام مما حوله بيتاً منظماً ذا غرف عديدة، وفتحات للدخول وأخرى للخروج، وردهات يجتمع فيها. وظل النمل يومين كاملين يشتغل في موطنه الجديد كأن قد طاب له المقام فيه، حتى إذا ما أقبل الصباح الثالث ورفع العالِم

<<  <  ج:
ص:  >  >>