للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[شعراء الموسم في الميزان]

نقد وتحليل

للأديب عباس حسان خضر

- ٤ -

ميلاد الرسول

كانت هذه القصيدة من أقوى العمد التي قام عليها نجاح الموسم، وقد عرف الأستاذ محمد الأسمر كيف يحكم فيها الصلة بين وجدانه ووجدان المستمعين باختيار الموضوع، وحسن الالقاء، وبراعة التأدية. وإذا كانت الطبيعة الشعرية خصبة، وكان التعبير عما تنتجه، وتوصيل هذا التعبير إلى (مستهلكي) الشعر جيدين، فقد بلغ الشاعر ما يرمي إليه من غرض الإجادة. فما حظ هذه القصيدة من ذلك؟ إليك منها في وصف يوم ميلاد الرسول:

يوم أغر كفاك منه أنه ... يوم كأن الدهر فيه تجمعا

ويكاد غابر كل يوم قبله ... يثني إليه جيده متطلعا

فلو استطاع لكر من أحقابه ... وثبا على هام السنين ليرجعا

ويكاد مقبل كل يوم بعده ... ينسل من خلف الزمان ليسرعا

فلو استطاع لجاء قبل أوانه ... وانساب يخترق السنين وأتلعا

تتنافس الأيام في الشرف الذي ... ملأ الوجود فلم يغادر إصبعا

فانظر كيف يمثل الزمان في ركب يبرز في وسطه يوم الميلاد كأنما هو المقصود من الدهر كله، فالأيام قبله تتطلع إليه وتود الرجوع إليه، والأيام المقبلة توشك أن تفلت من نظام الركب لتسرع اليه، وكلها تتنافس لنيل شرف الميلاد النبوي، ومجمع هذه المعاني قوله: (كأن الدهر فيه تجمعا) فهذا التعبير في تفرعه إلى تلك المعاني يشبه مقذوف النور الذي ينبعث في الجو على شكل شرارة مقتضبة، فلا يلبث أن ينبسط متفرعا إلى شجرات أو طائرات أو غير ذلك، وهكذا يكون في المولد النبوي!

فهذه الطبيعة التي تنتج هذا الخيال، هي - ولا شك - صالحة لإنتاج الشعر الذي تتم جودته بمثل ذلك التبيين الذي يزاوله

<<  <  ج:
ص:  >  >>