لا نكاد نجد في تاريخنا الحديث عظيماً أصابه من الظلم وناله من العفوق مثل محمود سامي البارودي رحمه الله. فعلى أنه سياسي كبير، وجندي عظيم، وإنه فوق ذلك شيخ شعراء هذا العصر بلا منازع، فان أمته قد ألفت به في زوايا النسيان وتركته على درجة الإهمال، حتى لا تجد أحداً يعني به، أو يهتم بأمره، أو يعمل على نشر آثاره، لا من رجال السياسة، ولا من رجال الأدب. اللهم إلا فذلكات صغيرة لا تجزئ ولا تبين!.
ولقد كنا نظن أن مرد ذلك كله إلى طغيان الاحتلال الذي جثم على صدر البلاد سبعين سنة كاملة لأنه كان من كبار زعماء الثورة العربية الذين كان الناس يخشون ذكرهم ويخافون أن يدرسوا تاريخهم أو يشيدوا بعظمتهم؛ وإنه عندما يندك صرح هذا الطغيان وتنكس أعلامه يأنى لنا أن نرفع عنه تراب الإهمال، ونضعه في مكانه (السامي) بين عظماء الرجال. ولكن وا أسفا! فإنا مازلنا مفرطين في جنبه، جاحدين لفضله.
وإنا بكلمتنا هذه التي نرسلها اليوم لا نريد أن نكشف فيها عن جوانب هذا الرجل السياسة أو الحربية لأن هذا مما يجب على غيرنا أن يؤديه له. وكذلك لا تحاول أن ندرس نواحيه الأدبية فأنها تحتاج إلى كتاب يرأسه، وهذه الدراسة ولا ريب دين كبير في عنق كل من يتصدى لدرس حياة الأدب العربي في عصرنا الحديث. وإنما همنا مما نكتب أن نأتي بذور من تاريخه الأدبي نستطرد منه إلى ما نحن بسبيله من المطالبة يطبع كل ما ترك لنا من آثار أدبية جليلة يقضي الواجب أن نحرص عليها، ونعمل على نشرها، ليتنفع الأدب وأهله بها. ونحن إذا بلغنا هذه الغاية نكون قد أحسنا إليه غاية الإحسان، وحفظنا ذكره عطراً على وجه الزمان. وما حياة العظيم إلا حياة آثاره وما ينتفع الناس من علمه وأعماله، وما عدا ذلك فهو لغو باطل، وعبث ليس وراءه طائل (فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض).
لقد نشأ هذا الرجل في الأدب نشأة عجيبة لا تكاد تتفق لغيره من الأدباء والشعراء إلا في الفلتة والندرة!.
ذلك أنه - على ما ذكر صديقه الشيخ حسين المرصفي أستاذ الأدب العربي بدار العلوم