لم يكن أحد في عصر المتنبي أكثر إلماماً باللغة العربية من المتنبي، ولم يكن أحد في أيام المعري أكثر إلماماً باللغة العربية وغريب اللغة العربية من المعري، بل لعل الله لم ييسر لأحد ممن أحاط باللغة العربية ووقف على غرائبها ما يسر من ذلك كله لأبي العلاء. . .
وقبل أن نأخذ في هذا الحديث عن ثقافة أبي العلاء أحب أن أرجو القارئ في الرجوع إلى معجم ياقوت ليقرأ معي أسماء ذلك الثبت الطويل من الكتب التي آلفها، أو صنفها، أبو العلاء، وما أورده ياقوت من الأسباب التي دفعت أبا العلاء إلى تأليف تلك الكتب. . . وأحب كذلك أن أرجو القارئ في أن يصبر على قراءة أسماء تلك الكتب الكثيرة الغربية التي نضيق نحن اليوم بها وبموضوعاتها التي لا يدل ظاهرها على طرافة أو عبقرية، عن لم يخيل لنا أنها تدل على حذلقة وتقعر. . . أو تفاصح وتشدق. . . على حد ما عبر ياقوت. . . وأحب أن ألفت نظر القارئ إلى ملاحظة قد تكون سخيفة إلى آخر حدود السخف أولاً، لكنها لن تكون سخيفة آخر الأمر، لأنني سأتخذ منها دليلاً على أن أبا العلاء لم يكن يؤلف هذه الكتب الكثيرة المعقدة، المضطربة، فيما يبدو لنا، التي لا قيمة لها في رأي الكسالى الذين لا صبر لهم على حل الرموز وفك الطلسمات. . . أقول أنني سأتخذ من هذه الملاحظة دليلاً على أن أبا العلاء لم يكن يؤلف من هذه الكتب المعقدة. . لله. . . أو بغير أجر إذا ضقت بهذا التعبير العامي الذي لا يعجبك. . .
إذن ليلق القارئ باله إلى عدد الكراسات التي يتألف منها كل من كتب أبي العلاء. . . وسنضع تحت أيدي القراء ميزاناً سهلاً لحساب هذه الكراسات الكبيرة العدد التي كانت تتألف منها كتبه
١ - فياقوت يذكر أن كتاب الفصول والغايات كان يتألف من سبعة أجزاء أمليت في مائة كراسة (جـ٣: ١٤٧) ويذكر الدكتور طه حسين - رجل أبي العلاء - أن الكتاب في أربعة مجلدات ضخمة. . . فإذا أخذنا بقول ياقوت وقع الجزء من أجزاء الكتاب في أربع عشرة كراسة وجزء من الكراسة، وإذا أخذنا بالقول الثاني وقع الجزء في خمس وعشرين كراسة، نستطيع أن نقدرها تقديراً كميا، أو حجميّا، بهذا الجزء الكبير الذي وصلنا من