قال الأستاذ (دومينيك) في تحليله البليغ للكتاب القيم الذي ألفه السير (نيفل هندرسون) سفير إنجلترا في برلين بعنوان (سنتان عند هتلر):
(إن المتمدنين الذين يعيشون في هذا القرن بإنسانية القرن التاسع عشر ومسيحيته ليقضون من الدهش إذ يرون هذا (الهتلر) يرجع بالعالم إلى عهود الجاهلية القيصرية فيحمل أتباعه على أن يعتقدوا أن الله قد حل به وأن ألمانيا قد تجسدت فيه. وإن المفكرين ليفزعون في وسط هذه الزعازع الهوج إلى الله جزعين أن يرتكس للفكر والحضارة في مهاوي البربرية الأولى).
وقال المستر (سمنر ولز) في خطبته الختامية بالمؤتمر العلمي للأمم الأمريكية:
(ليس من الصعب أن نتنبأ بنكسة القرون الوسطى في بلد أصبح التفكير الحر مستحيلاً فيه. وأي أمل يبقى للإخلاف بعد هذا الطغيان الذي موَّه الباطل على الناس حتى اعتقدوا أنه الحق؟). ثم دعا الولايات المتحدة إلى أن تذود عن المدنية التي تدين لها بأكثر مما تنعم به.
وقال صديقنا الأستاذ (الحكيم) في (الأهرام):
(إن نذير الدمار المسلط على شؤون الفكر والروح كفيل بأن ينهض برجال الفكر والأدب للدفاع بأقلامهم وقلوبهم عن حضارة ساهم أسلافهم في وضع أحجارها الأولى).
وكلام هؤلاء السادة على اختلاف الموطن والمذهب ترجمة لطائفة من المعاني الخداعة التي قدمها الإنسان الحديث فأقام عليها ثقافة المدرسة، وراض بها نفسية المجتمع، وجعل منها خصائص لحيوانيته تميزه في زعمه على الإنسان القديم والوحش الآبد. وليس في منطق الطبع أن يكون أثر الفكر دائماً من الخير المحض ما دام مصدره الإنسان وهو يفسد ويصلح ويخبث ويطيب تبعاً لوحي غريزته وخضوعاً لهوى منفعته. أليس الفكر والأدب والعلم والمدنية التي يدعو الأساتذة الكتاب إلى النضج عنها هي نفسها التي جعلت ألمانيا الهتلرية جحيما يستعر باللظى والغاز والحمم، فزلزل الأرض من القطب إلى القطب، ورمى الدنيا جمعاء بغاشية من الموت الوحِيِّ والقلق المميت؟
لو لم تعتمد النازية على المفكر الألماني القوي الخصيب لما استطاع ناسك (برجوف) أن يفجأ العالم الآمن بأهوال من الشر ينكرها الشيطان، وأساليب من الموت يجهلها الموت
إن الفكر الفعال في الأرض لا ينفك عنه قصور الإنسان وضلاله، فهو عاجز عن هداية