للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[مسابقة الفلسفة لطلاب السنة التوجيهية (٢)]

(١) النفس عند ابن سينا (٢)

للأستاذ كمال دسوقي

حدثتكم في المقال السابق عن موضع دراسة النفس من العلوم عند ابن سينا، أعني أين يقع علم النفس من قائمة العلوم ولوحة المعارف عنده، وأين كان يعالجها في معظم كتبه؛ فربطتها لكم بما يسبقها من الأمور الطبيعية الكلية التي قلت لكم إنها دائما آخرها، وبما يتلوها من القول في الإلهيات؛ التي قلت لكم إنها تمهد لتناولها في نقطة (العقل الفعال). واليوم أحدثكم عن موضع النفس ذاتها من سلسلة الموجودات المادية والروحية، وصلتها بما فوقها وما تحتها - قبل الدخول في تفصيل قواها وملكاتها - فإن النفس تشغل في مذهب ابن سينا في الوجود مكاناً لا يقل دقة واطراداً عن المكان الذي رأيتم أن علم النفس يشغله في تصنيف العلوم العقلية عنده.

وحين نقول فإنما نعني بها ما كان يسميه أرسطو ما بعد فإن الإسلاميين قد حولوا هذا العلم لأرسطى إلى ما يرضي عقائدهم، ويؤيد إيمانهم؛ حولوا ميدانه إلى (النظر في الواحد ولواحقه بما هو واحد) أي النظر في الله الواحد والكثرة التي تنشأ عنه؛ لان كل موجود عند ابن سينا يصح أن يقال له في ذاته واحد (النجاة ص ٩٨)، وكان أرسطو حين نظم هذا العلم وعرض فيه آراء سابقيه يحدد موضوعه بأنه (البحث في الوجود بما هو موجود) فلا يعترض عليه أن يبحث في الواحد ويدلل على الألوهية، بل يترك له تحقيق ذلك إن استطاع.

على أن مشكلة ابن سينا في هذا الصدد لم تكن إثبات الوجود، ولا واجب الوجود بقدر ما كانت مشكلة صدور الخلق عن الخالق، وكيف ينشأ هذا الوجود المتكثر - الذي لاشك في كثرته - عن الإله الواحد - الذي لاشك في وحدانيته؛ خصوصاً وأن الواحد عنده وفي مذهبه لا يصدر عنه إلا واحد، وواحد فقط؟

ولما كان مذهب أرسطو وحده لا يعينه على إثبات هذه النظرية لانتقاله من الكثرة إلى الواحد، ولما فيه من تفسير مادي عقلي قد يتعارض مع الدين - مما يتحاشاه كل فيلسوف متأثر بالدين، فإن مذهب أفلوطين كان أقرب إلى إثبات ذلك منه. وأفلوطين قد ذهب إلى أن

<<  <  ج:
ص:  >  >>