ولم تتردد الجمهورية في أن تعلن أنها حامية العلوم والمدارس الفكرية، وحاولت أن تجعل الدراسة في جميع المعاهد على أسس الخير والحق والجمال! وظهر الجيل الجديد بعد عشرين عاماً من غير أن يتذوقوا لتعاليم الدين طعماً. واليوم يحتل الفكر الغربي الجديد محل الفكر الإسلامي القديم. وليس في الإمكان أن نحدد تاريخاً لظهور النزعة الحديثة مع التداخل بين الأفكار الإسلامية والغربية في تركيا، فليس هناك تفاعل حقيقي، إنما هناك طغيان للأفكار الغربية.
وفي ديسمبر ١٩٤٦ تقدم نائبان في الجمعية الوطنية - أثناء مناقشة ميزانية وزارة الأوقاف - بسؤال عن مستقبل المعاهد الدينية، وخاصة تلك التي يدرس الشعائر الدينية فيها أفراد معينون، إذ أن هذه الدراسات لا ترعاها الحكومة، وأن هؤلاء الأفراد المعينين ليسوا متخصصين في طرق إعداد المعلمين. فأجابت الحكومة إجابة تهرب من السؤال، إذ خشيت رد الفعل الديني الذي قد يهدد نظم الجمهورية الحديثة. وبعد أيام انتقلت هذه المناقشة إلى اللجنة المركزية للحزب الحكومي. وهذا الحادث - الذي لا يعتبر غير غريب في الغرب - ذو أهمية كبرى في تركيا اليوم، لأنه في العشرين سنة الأخيرة لم يكن ممكناً حدوث مثل هذه المناقشة في أي نوع من الاجتماعات السياسية أو الثقافية.
وعندما بزغ نور الروح الانتقادية في تركيا، فإن التفاعل بين الأفكار الإسلامية والغربية سيتخذ شكلاً موحداً واضحاً. وربما ينتج عن هذا التفاعل إصلاح ديني فلسفي في حدود الشكل العلماني للجمهورية. غير أنه عندما يحدث إصلاح من هذا النوع هل تستطيع تركيا أن توجد منابع تراثها الثقافي وتخلق حركة ثقافية متكاملة؟