للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[المعاني الحية في رسالة محمد]

للأستاذ محمد عبد الله السمان

كلما حلت ذكرى ميلاد محمد - صلوات الله وسلامه عليه - حرص كثير من الوعاظ وخطباء المحافل أن يحوطوا شخصيته بهالة من الخوارق إبان مولدها، مستغلين عواطف الجهلة من السذج والبسطاء، لاصطناع الألفاظ المنمقة، والعبارات المسجوعة، التي تستثير مشاعرهم، وتستنطق ألسنتهم بتأوهات الإعجاب والاستحسان.

وتمر الذكرى الطيبة، بعد أن تلقى آلاف الخطب في المساجد والسرادقات. فلا يخرج المسلمون منها إلا بالتوافه التي لا ترفع من قدر صاحبها (ص) وإذا سألتهم ماذا حفظتم من ذكرى رسولكم (ص) أجابوك عن ظهر قلب: إن ليلة مولده اهتز إيوان كسرى، وخمدت نيران فارس، وانشقت الأرض عن نور سد ما بين الخافقين، وفتحت أبواب الجنة، وأُغلقت أبواب جهنم، وازينت السماء، وابتهجت الملائكة. . . وإن أمه بنت وهب لم تجد مشقة في وضعه وسمعت هتافات الملائكة تبشر بمقدم الوليد الجديد، وأن مرضعته حليمة قد در لبنها يوم أن تسلمته، وأن الغمامة كانت تظلله حيثما سار، وأن الأحجار قد كلمته، والحصى قد سبح بين يديه، والجذع حن له. . وما إلى هذه من الأقاصيص التي تليق بالأبطال الخرافيين - لا بشخصية محمد (ص) الإنسانية الذي هيأ للإنسانية أطيب حياة، والمصلح الذي وضع أسس الإصلاح في الأرض، والعظيم الذي قدم للدنيا خير أمة أخرجت للناس تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتؤمن بالله.

أني لأعجب. . . كيف نجهل - نحن المسلمين أتباع محمد - شخصيته هذا الجهل الفاضح، فبينما يرى المنصفون من المستشرقين في شخصه - رجلاً مصلحاً من عظام المصلحين، يكفيه فخرا أنه هدى أمة برمتها إلى نور الحق؛ وفتح لها طريق الرقي والمدنية؛ وهو عمل لا يقوم به إلا رجل أوتي قوة، ورجل مثل هذا جدير بالاحترام والإكرام. . بينما يرى الأجانب في محمد المصلح العظيم نأتي نحن اتباعه إلا أن نضفي على سيرته من الخوارق والتوافه التي تبين مدى جهلنا بشخصيته.

وإذا تركت جانباً هذا الصنف المشغوف بإلصاق الخوارق بسيرة محمد، وجدت صنفاً آخر من المسلمين مشغوفاً بأن يجعله فوق مستوى البشر، وإنه رسول ليس ككل الرسل،

<<  <  ج:
ص:  >  >>