(يا صاحب السعادة، لِمَ ترضى أن أكون صاحب الشقاء؟ أنا وأنت نبعتان من دوحة آدم نَمَتا في ثَرى النيل؛ ولكن مغرسك لحسن حظك كان أقرب إلى الماء، ومغرسي لسوء حظي كان أقرب إلى الصحراء، فشبعت أنت وارتويت، على قدر ما هزلت أنا وذوَيت؛ لأن الماء والغذاء يطلبانك وأنت ضاجع وادع، وأنا أطلبهما بالكدح والمتح فما أنال غير الجفاف أو النّطاف!
فماذا يضير المجدودَ أن ينضح المكدود برَش مما يسبح فيه من فيض هذا الوادي، وهو لهما كلبن الأم للتوأمين، لكل منهما شطره بحكم الحياة والأمومة والطبيعة؟
لقد ضمن الله لك حق الملك لصلاح الدنيا، ولكنه فرض عليك بازاء
ذلك الزكاة تحقيقاً لهذا الصلاح. فإذا خشيت أن تمتد عيني إلى مالك
بالحسد والشهوة، ويدي إلى نفسك بالعنف والقسوة، فاكسر نظرتي
وحدَّتي عنك بأداء ما جعل الله لي عندك؛ وإلا كان من الإنصاف في
رأيي على الأقل أن يكون اعترافي بالحق لك، معادلاً لاعترافك
بالواجب عليك)
ذلك ما يقوله في مصر كل فلاح لكل باشا. ولكن أغنياءنا غلاظ الأجساد والأكباد فلا يصيخون لمثل هذا العتاب الهامس! وهم إلى ذلك يعلمون أن الله الذي أعان الفقراء بالزكاة على الفقر، أعانهم عليه أيضاً بالقناعة والصبر. فهم يثقون بالله، ويؤمنون بالقدر، ويعتقدون أن نصيبهم المقسوم في السماء سيهبط عليهم في الأرض، أو يصعدون إليه في الجنة. وفي ضمان هذه الأخلاق السمحة والنفوس المطمئنة، مشى الغني متأبِّهاً متألِّهاً يحاول أن يخرق الأرض ويطول الجبل ويملك على عباد الله حق الحياة والموت. ثم ينظر إليه الكادح المحروم وهو يخور من السِّمن، ويختال من البطر، ويغوص في الحرير، ويخوض في الذهب، فيقول بلهجة المؤمن الراضي:
(آمنت بالله! لو لم يستحق ما هو فيه، لما كان الله يعطيه!)
وأقسم ما أعطاه الله، ولكنه هو الذي أخذ. وما كان ليستقيم في ميزان العدل أن يُعطي إنسان