كان لأحد أرباب الأنهار التي تنحدر من شواهق الأولمب ابنة بارعة الجمال فتانة، حلوة كأنها قبلة على فم حبيب، رقيقة كأنها زنبقة على غصن رطيب
وكانت تخطر كما تخطر نسمة معطرة أفلتت من الجنة لتملأ القلوب حباً، ولتشيع في الحب سعادة، ولترف في قيظ الحياة فتروح على المكدورين المحزونين
وكانت هذه الفتاة (يو)، مفتتنة بجمال الطبيعة، مشغوفة بسحرها الأخاذ، تود لو تستطيع فتعيش ملء السهل والجبل، أو تقدر فتنسجم والحياة الدائبة في الغابة، أو تكون روحاً شفافاً يرف في زرقة السماء، ويمتزج بالظلال والأفياء
ولم تكن عاشقة، ولكنها كانت حين تجلس على الصخرة المشرفة على البحر تعبد القمر في هدأة من الليل، يتهيج حب الطبيعة في نفسها، فتبكى وتبكى، ولا يقطع عليها بكاءها إلا خرير الغدران المترقرقة التي تنسرب في الأدغال. . . وكانت عبادة الطبيعة تقطعها عن أترابها من عرائس الماء، وصاحباتها من بنات الغاب، فكن إذا تفقدنها، توزعن في مهاوي الجبل، وتفرقن في منبسط السفح، وتنادين بها ههنا وههنا، حتى يجدنها آخر الأمر مستغرقة بين يدي قمرها المعبود، تناجى البحر المصطخب، وتلكم النجم المضطرب
ونزل زيوس يوماً من ذروة الأولمب التي هي أول مراقي السماء، يرتاد جنات الأرض في مملكة جدته (جي)، وما كاد يوغل في إحدى جنبات الجبل حتى لقي يو، تلك الفتاة الأولمبية الساحرة، واقفة على الصخرة تستمتع جمال الشروق في صبيحة من أوليات الربيع. . . وكانت السماء ما تزال موشاة بسحائب خفيفة من بقايا الشتاء، وأراد، ذكاء تنتشر خللها فتفضض أذيالها، وتذهب أوساطها، وتكسب الأفق رونقاً زاهياً خلاباً
وسحر زيوس، وهو كبير الآلهة، بجمال العروس التي هي من خلقه، وابنة أحد اتباعه وأحس بعطف يغمر قلبه العظيم من أجلها، وشعر كأنه ظمئ إلى هذا الجمال الفتان