الاعتراف بما أخرجته الحياة - السبيل إلى تعديل المادية الصماء - المجال الخصيب للجهد البشري - قضية لا شك فيها - الفكر والعمل - موازنة - عوامل الحياة أمينة - كفاح الحياة لحفظ الأحياء - إشارات إلى المستقبل
كل ما تجده في الحياة يجب الاعتراف به وعدم إسقاطه من حسابنا. . . فإذا ثبت أنه ينمي عوامل الحياة، وأنه من وسائل تقدمها المادي والمعنوي، فهو إذا من عالم الخير والصلاح، ويجب الوقوف في صفه والدفاع عنه والإكثار منه. . . وإذا ثبت أنه من عوامل الإفناء والفساد، أو من معوقات تقدم الحياة، وسبب الوقوف في وجهه ومكافحته وإفناؤه.
وعلى هذا ينبغي ألا نثور على أي عامل من عوامل نمو الحياة وصلاحها، مهما بدا فيه تكليفاً مجهداً، كما ينبغي ألا نبقى على أي عامل من عوامل فساد الحياة، مهما بدا أن فيه لذة عاجلة.
ومصلحة الاجتماع البشري كله هي محور هذا؛ لأن حياة الاجتماع هي طريق الترقي والقدرة على تسخير عوامل الطبيعة. فلسنا نستطيع السير وراء النظريات التي تنظر إلى الأفراد كوحدات مستقلة عندما نتحدث عن الإنسانية العامة، بل لا نستطيع السير في هذا المقام وراء النظريات التي تنظر إلى الشعوب والأمم كوحدات مستقلة، وإنما نسير وراء النظرية التي ترى إنسانية واحدة أما طبيعة واحدة!
تلك أولى المقدمات في السبيل إلى إدراك صدق الحياة، وتصور ما بها تصوراً صحيحاً، وتصحيح عقائد الناس فيها، وحملهم على الكفاح لإسعاد أنفسهم في رحلتهم إلى الأرض أولاً، وإلى الملكوت الذي ينتظرهم بعدها ثانياً.
ولكن مع الأسف يحاول كثير من الأدباء والفلاسفة والصوفية أن يفروا من وجه الحياة وينطلقوا مما يسمونه سجونها وأقفاصها، ويقللوا من قيمة الجانب المادي فيها ويقللوا تبعاً لذلك من قيمة الجهد الصناعي الإنساني، ولا يعترفوا بالأجسام والشخوص والشكول الواضحة التي تملأ الحواس، وتشغل الوعي الذي وراءها، وتثير كفاية العمل إلى تقليدها