ومحاكاة نماذجها. . . كأنهم لا يرضيهم إلا أن تكون الدنيا رموزاً مبهمة وأفكاراً طليقة غير محدودة ولا مبلورة. . .
إن المادة التي بها يضيقون ذرعاً، ويحاولون أن ينفلتوا من سجونها وأقفاصها خلق عجيب لا يليق بنا أن نزعم تفاهة اتصال النفس به وإعمال الفكر به. وإن أساطين العلم في حيرة من أمر نشوئها وتعدد عناصرها. وقد خلقنا فيها وصورنا منها، لندركها ونتعرف إليها ونتعجب. . .
إننا ندرك الله تعالى وقدرته وعلمه من عمله البديع في دولة الأجسام والأشكال. . . ولم يأخذنا جميعاً إليه بأي ليل إلا من الأدلة المبثوثة فيها أو المرتبطة بها. . .
إنها من نوعية أسراره، ومجلي أنواره التي يرسلها إلى عقولنا وقلوبنا حتى نهتدي إليه ونؤمن به من غير أن نراه.
فلماذا تلك الحملة عليها والإزراء بها والتهوين من شأنها؛ كأننا صرنا خالقين مبدعين قد أبدعنا شيئاً غيرها أو ظفرنا جميعاً بأمر عجيب خارج عن نطاقها!
قد يكون من المعقول أن نتطلع إلى القدرة التي أبدعت الطبيعة متلهفين إليها أن تطلعنا على عجائب ما لا نراه مثل ما أرتنا من هذا العجب الذي نراه؛ فإن هذا دليل على شدة الحساسية ويقظة الأشواق وحسن الإدراك والتقدير لتلك القدرة. . . ولكن ليس من المعقول أن نحقر ما نراه ونزري به ونزعم أنه تافه؛ فتنبو عنه حواسنا وعقولنا، ونبحث عما عداه من المخبوء، ونتطلع إلى ما وراءه مع أننا لم نفرغ من استيعابه وإدراك جميع أسراره.
ويحاول آخرون أن يفضلوا حياة الأقدمين الحالمين العجزة الجهلة على المحدثين القادرين، ما دامت الحياة الحاضرة قد جرت هذه المتاعب وهذه الضجة الآلية التي ملأت اليابس والماء والهواء فأقلقتهم. فمذهب هؤلاء وأولئك بالطبع غير ملائم لنمو الحياة وأطراد تقدمها، فيجب إهداره وعدم الالتفات إليه؛ لأنه مذهب فيه ارتداد وانتكاس وتشاؤم ومقاومة لدورة الفلك التي اعتقد أنها تجري بالناس إلى غاية صالحة لابد من الوصول إليها، لأن الله لم يخلق هذا العالم الإنساني لكي يضيعه أو يعوقه أو يفوت على نفسه الغاية من خلقه.
هو مذهب يحول بين معتنقيه وبين حياة القوة والسيادة على مرافق الطبيعة، وهي سيادة لا يظفر بها من اتصل بها اتصالاً وثيقاً وتعرف إلى الأسرار المكنونة فيها ولم يقف عند حد