عثر رجال الهلال الأحمر، بعد مجزرة دير ياسين على جثة فتاة في قميص النوم، ملقاة بالقرب من طريق فرعية مؤدية إلى القرية، فتعرف عليها بعضهم فإذا هي المعلمة حياة بلابسي.
عرفتها في أواخر سنة ١٩٤٧ وقت أن قدمت للإذاعة موضوعاً أدبيا أرفقته بكتاب تقول فيه:(أرجو أن أتمكن من إذاعة حديثي هذا في أقرب فرصة ممكنة).
وبعد أيام من ورود هذا الحديث قابلت أحد قضاة القدس فذكرني (بحياة) وأوصاني بها خيراً. . . ثم قابلت أحد مفتشي معارف فلسطين فنبهني إلى حديث (حياة) وضرورة الاعتناء به. . . ثم قابلت أحد أدباء القدس فقال لي: ألا تهتم بحياة وأحاديثها فهي فتاة تحتاج إلى مساعدة وتشجيع. . . ثم قابلت مديرة مدرسة في يافا فسألتني إذا كنت قد تلقيت حديثاً من (حياة) واستفسرت عن مدى استعدادي لمساعدتها.
فساءلت نفسي: من تكون حياة بلابسي هذه؟. . وما الداعي إلى كل هذا الاهتمام بها؟. . وأخذت أترقب الفرصة لمقابلتها والتعرف إليها عن كثب.
وفي عصر أحد أيام يناير من هذه السنة، وكان الثلج يتساقط بكثرة في القدس، والرياح الباردة العاتية تعصف بشدة، دخلت على حياة وقد تدثرت بمعطف بسيط، ولفت رأسها بمنديل من الصوف وقد رصع بقطع صغيرة من الثلج، فظهرت وكأنها إكليل من زهر الليمون، رمز العفة والطهارة، يطوق رأسها الجميل. وفي هذه المقابلة عرفت منها مأساتها:
لقد فقدت أباها منذ أمد غير بعيد، ووالدتها كسيحة طريحة الفراش، وأختها صغيرة غير قادرة على العمل، فوقع على عاتقها عبء الاعتناءبوالدتها وأختها، والقيام بجميع شؤون البيت، والعمل في الوقت ذاته على كسب المعاش إذ لا مورد لأسرتها تعتاش منه، كما أن والدها لم يترك أي مبلغ من المال، أو أي نوع من العقار.
وهكذا رأت نفسها مضطرة إلى ترك المدرسة قبل أن تحصل على شهادة (المتريك)، وأن تسعى إلى العمل كمعلمة إضافية في مدرسة ابتدائية، فقيل لها في دائرة المعارف: ليس بوسعنا أن نجد لك مكانا شاغرا في القدس لكننا نحتاج إلى معلمة إضافية لقرية دير ياسين،