للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فقبلت حياة العمل لقاء راتب شهري قدره ثمانية جنيهات.

وقرية دير ياسين تقع إلى الغرب من القدس وعلى بعد عشرة كيلومترات منها، وطرق المواصلات إليها غير متوفرة فكانت حياة تضطر للذهاب إليها والعودة منها سيراً على قدميها، فتترك القدس في الساعة السادسة صباحا مجتازة في طريقها بعض أحياء القدس اليهودية وهي ميا شعاريم، وبيت إسرائيل، ومحنا يهوديا، وروميما. . . ثم تمر بواد وعر إلى أن تصل مستعمرة بيت هاكيرم، ومن ثم تتجه رأساً إلى دير ياسين.

هذا هو طريق الآلام الذي كانت تعبره حياة مرتين في اليوم صيفاً وشتاءً.

وهي مع أنها صبية جريئة كانت تشعر أحياناً برهبة عند مرورها في الوادي، فتخشى أمرا لا تعرف كنهه. . . فتنتظر بعض الوقت إلى أن تمر بها القرويات الذاهبات إلى القرية أو العائدات منها فترافقهن. . . إلا أن هذه الخشية أخذت تتلاشى قليلاً قليلاً، وصارت حياة تعبر الوادي بمفردها محيية الحراثين والرعاة، فيجيبونها محيين مرحبين، مستفسرين منها عن أولادهم ومقدار تقدمهم ونجاحهم في دروسهم، سائلين الله أن يكلأها بعين عنايته ورعايته.

ولم تحصر حياة عملها في القرية على التعليم وإنما كانت تعمل في فترات من النهار ممرضة أيضا، فتمد من هو بحاجة إلى الإسعاف الأولي بمختلف الأدوية، وتعود المرضى في أكواخهم، وإذا رأت أن فيهم من تتطلب حالته دخوله المستشفى اتصلت على الفور بدائرة الصحة القدس تلفونياً، أو ذهبت بنفسها إلى تلك الدائرة عند عودتها إلى بيتها.

وما إن أتمت حياة السنة الأولى من عملها في دير ياسين حتى غدت معبودة سكانها يترادف اسمها مع التربية والطهارة والوطنية الصحيحة.

وفي يوم عادت الفتاة إلى القدس فوجدت إنها فارقت الحياة، فتحملت الصدمة بقلب قوي، ولم تنهزم أمام صروف الدهر القاسية، وثابرت على عملها في دير ياسين بنا طبعت عليه من عزيمة وثبات، فحمل ذلك دائرة المعارف على أن تزيد راتبها الشهري جنيهين آخرين.

وأعلنت هيئة الأمم المتحدة تحقيق ما حلم به هرتزل سنة ١٨٩٥ في كتاب (الدولة اليهودية)، فهب العرب يدافعون عن أراضيهم ومواطن معيشهم، وانتصب ملاك الموت والمحصد في يده يجني الرؤوس آحادا، ثم عشرات، ثم مئات. . . وكان على حياة أن

<<  <  ج:
ص:  >  >>