ليس من شك في أن الخليل بن أحمد كان رجلا عبقرياً نفخر به مع من نفخر بهم من أجداد. ولكن العلم لا يعرف الوقوف، ولقد تقدمت الدراسات اللغوية تقدما يحملنا على أن نطمع إلى معرفة أدق من معرفة الخليل بالعناصر الموسيقية في شعرنا العربي.
والذي لا شك فيه أن الخليل قد وضح حقيقة أساسية في الشعر العربي لا نستطيع أن نغفلها، وهي انقسام كل بيت إلى تفاعيل متساوية، كما هو الحال في الرجز ولهزج وغيرهما، أو متجاوبة (التفعيل الأول يساوي الثالث والثاني يساوي الرابع) كما هو الحال في الطويل والبسيط وغيرهما. وهذا التقسيم من أسس الموسيقى والشعر عند الأوربيين اليوم؛ فهناك وحدات موسيقية متساوية وأخرى متجاوبة كما وضح الخليل.
ولكننا لا نكاد نترك وجود التفاعيل إلى بنية تلك التفاعيل حتى نختلف مع الخليل، وذلك لأنه لم يدلنا على وحدة الكلام وهي المقطع. وأكبر ظني أن الخليل لم يعرف العروض اليوناني وإلا لفطن إلى المقطع، وإن يكن قد علم فيما نرجح بالموسيقى اليونانية بفرعيها:(علم الإيقاع وعلم الانسجام والعروض اليوناني كما هو معلوم يقوم على المقطع، والسبب الذي منع الخليل من الوقوع على المقطع مزدوج فيما أظن:
١ - عدم كتابة الحروف الصائتة القصيرة التي نسميها حركات (الفتح والضم والكسر) في صلب الكتابة العربية التي لا تزال إلى اليوم مقطعية إلى حد بعيد، بمعنى أننا نكتفي برسم الحروف الصامتة، وأما الصائتة فلا تكتب إلا الطويل منها (الألف والواو والياء). فكتابتنا وسط بين الكتابة الفينيقية والكتابة الإغريقية، ومن الثابت تاريخياً أن الإغريق عند أخذهم بالكتابة الفينيقية قد أضافوا إليها رسوما خاصة للحروف الصائتة كلها طويلة وقصيرة وأبني على ذلك أن الخليل لم يفطن إلى أن الحروف الصائتة القصيرة تكون مع الحروف الصامت الذي توضع فوق كحركة مقطعاً تاما مستقلا. ولهذا اكتفى في تقطيع التفعيل بالحروف التي تكتب مميزاً بينها بالحركة والسكون.
٢ - السبب الثاني هو أن اللغة العربة كغيرها من اللغة السامية تغلب فيها الحروف