للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[الصلات الشخصية بالعباقرة]

للأستاذ محمد خليفة التونسي

إن العملة التي يتعامل الناس بها في حيواتهم هي الأشخاص وأعمالهم المنظورة، لا المبادئ والأفكار المجردة. ومن هنا تظهر خطورة (الصحبة) التي تتأثر فيها شخصية بشخصية، ويظهر لنا فشل المبادئ والأفكار المجردة عن التأثير في الناس ما لم تعززها الأعمال المعبرة عنها من أشخاص يؤمنون بها حق الإيمان

ومن أعظم ما يشرف الحياة ويجملها ويرفعنا في قلوبنا وعيوننا، ويجعل مزاولتها عملا سائغا شاقا، بل رحلة رياضية جميلة حقيقة بالتقدير والإعجاب والغبطة - أن تقدر لنا في بعض مراحل عمرنا على هذا الكوكب الحائر الخامل في ملك الله، معاصرة أحد العباقرة أصحاب الرسالات الإصلاحية الكبرى، وأن تتوشج صلاتنا به، لنستروح إلى جانبه من نفحات السماء مالا تجود به إلا على قليل من أبناء الفناء في فترات متباعدة

هذه (الصحبة) نعمة كبرى في طيها نعم مختلفات متجددات، فإن صاحب العبقرية بما يفيضه على نفوسنا خلال صحبتنا إياه من إعجاب به، وتعاطف معه، ووعي له - يمكننا من أن نستقل جناحيه ونرتفع معه إلى الآفاق العليا , ونقتبس معه ومثله من مصادر الإلهام الرفيعة ما يضيء سرائرنا، ويجلي عقولنا، ويصفي حياتنا، فنزداد ثقة إلى ثقة بأنفسنا، ونعلو أمامها على هدى وبصيرة، ومن ثم ترتفع أمامنا الإنسانية بكل ملكاتها، والحياة بكل مضامينها، والوجود بكل آباده وآزاله، إذ لا ثقة بصفة إلا بموصوف ممثل لها

على جناحي هذه العبقرية الصالحة الملهمة نطير إلى تلك الآفاق العليا، وبغير جناحيها لا نطير

بل نظل ملتصقين بتراب هذه الغبراء؛ نهيم على تربتها كما تهيم سوائمها، أو نمشي على بطوننا كما تمشي زواحفها، أو ندب كما تدب حشراتها، وقد نتورط في حماتها فنظل نسوخ في أوحالها دركا فدركا، منسلخين عن مزايانا واحدة فواحدة، كلما أمعنا في الهبوط، فنعيش كما يعيش دود الأرض في أطباقها الحالكة: كل عمله أن يجذب الطين في جوفه من طرف إلى طرف، ثم يموت فيستحيل كبعض هذا الطين في خسته وقذارته

في غمرة إعجابنا بالعبقرية الصالحة خلال صلاتنا الشخصية بها يفيض على نفوسنا، أو

<<  <  ج:
ص:  >  >>