للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

البَريدُ الأدَبي

حول خطوط

عقب الأديب السوري الفاضل الأستاذ عفيف الحسيني على قصيدتي (خطوط) بكلمة نقد رقيقة، وشاها بما شاء له أدبه من جميل الشعور وجمال التعبير، ولقد رأيت أن أعقب على تعقيبه، بذكر وجهة نظري فيما أخذه حضرته على البيت:

حصير تقادم حتى يكاد. . . يخضر، يرجع عشباً نضير.

أنا لا أخالف الأستاذ في أن الحصير المتقادم يسود إذا كان في مكان رطب، ولكن ألا يرى معي أننا لو وضعنا كلاً من كلمتي (يسود ويخضر) في كفتي الميزان الذوقي لكانت الأخيرة أرجح وأسمح؟

ومعروف للجميع أن العرب يتخذون (الفعلين) طريقاً إلى معنى واحد هو شدة الاخضرار، ونكتفي بإيراد مثال من أدب القرآن الكريم في هذا الصدد: (ومن دونهما جنتان. . مدهامتان)، حيث عبر القرآن عن الحضرة الشديدة بالدهمة، وهي السواد الشديد، جرياً على المألوف من استعمال كل من الكلمتين في مكان الأخرى. .

ويقول الأستاذ الناقد عن البيت الآخر:

ويهرق معوله في تراب لياليه. . محتفراً رمسه

إنني لا أستطيع أن أتصور إهراق المعول في التراب. . وهنا أيضاً لا أستطيع أن أخالفه في استحالة إهراق المعول إهراقاً جدياً، ولكن ألا يرى حضرته أن الحركة الفعلية التي تصاحب المعول، من ارتفاع إلى انثناء إلى انخفاض، حتى يغيب في التراب. هذه الحركة أليست شبيهة بكل ما من شأنه أن يهرق محتواه كالكوب مثلاً؟ ولقد كان في مقدوري أن أعبر ب (يضرب) أو (يهوي بمعوله) مع الاحتفاظ باستقامة الوزن، وأداء المعنى، بل واكتمال الصورة أيضاً. لولا ما خيل لي من أن في هذا التعبير بالذات شيئاً مما يتساءل عنه الباحثون عن التجديد في الشعر الحديث، أما هذه الصداقة التي أبى الأستاذ الحسيني إلا أن يتوجني بها رغم ما رسمته (خطوط) من غرابة الخلقة، وشذوذ التكوين، فأنا أعتز بها، وأحرص عليها، وأعدها من حسنات الزمان الضنين علي.

محمد مفتاح الفيتوري

<<  <  ج:
ص:  >  >>