الحرب الحديثة حرب مصادرات وتضييق، فالجانب الذي يتغلب على الآخر في مصادرة بضائعة هو الذي يكسب الحرب.
إن الحصار البحري فضلاً عن أنه سلاح ناجح قد قل بواسطته عدد القتلى في الحرب، فإذا أخفق في مهمته لم تكن الخسارة بالشيء الذي لا يحتمله المحاربون، وقد جعلت البحرية البريطانية من همها أن يقل عدد السفن التجارية التي تغرق في عرض البحار.
إن الحصار البحري الناجح - مع ماله من القوة - لا يحتاج في تنفيذه إلى شيء من العنف، فقد تقضي السفن الحربية مدة الحرب جميعها دون أن تسمع كلمة (ارفع البندقية وكن مستعداً) وقد بلغنا عن طريق الأسر ومصادرة السفن ضعف ما بلغه عدونا بإغراق السفن بواسطة (الغواصات)؛ فإن الأسر والمصادرة (كالانتخاب ذي الصوتين)، ولكن أصحاب العقول المخربة، والنفوس المتعطشة للدماء، يظنون أن الحرب لا تكسب بغير القتل والتدمير؛ والحروب البريطانية على النقيض من ذلك، فهي تصل بنا إلى الغاية بالمصادرة لا بالقتل، وبالاحتفاظ ببضائع العدو التي تقع في أيدي رجالنا لا بتدميرها. فالجندي المخرب حين يرسل إلى البحار لا يفكر إلا في إغراق السفن، ولكن رجل البحار يصادر بضائع العدو ليستخدمها لنفسه، وبذلك يكسب الحرب.
إن سكان البلاد الشمالية وجيوشها ومصانعها لا تستطيع جميعاً أن تحصل على شيء من خيرات البلاد الاستوائية بغير إرادتنا.
وقد تذهب مجهودات الأمة المحاربة أدراج الرياح إذا هي حرمت من بعض المواد الأساسية: كالقطن والنترات والفوسفات والمطاط وزيت النخيل وغيره من المواد الدهنية والشحوم والبن والكاكاو وأطعمة البلاد الاستوائية جميعاً. بل إن شيئاً من صادرات تلك البلاد لا يمكن أن يصل إلى أوربا بغير إرادتنا. فجميع المضايق التي تمر بها تلك الصادرات تحت إشرافنا، ويكفي إرسال قوة من الطرادات والسفن الصغيرة تحت حراسة الأسطول لحصر التجارة بين مضيق جبل طارق البالغ اتساعه ثمانية أميال، ومضيق دوفر