غرق الأستاذ توفيق الحكيم في الأدب العربي - على حد تعبيره - بعد عودته من فرنسا ليدرس قضيته من أساسها، محاولاً أن يعيد النظر في أمر اللغة العربية، وأن يكشف أسرارها ويضع إصبعه على مواطن ضعفها وقوتها. . . وهو قد شرع يفعل هذا بعد أن أخذ من مختلف الآداب العالمية بنصيب، فهو يقرأ نصوص الأدب العربي في عصوره المتعاقبة بعين جديدة، عين عامرة بالصور، حافلة بالمقارنات، وبنفس رحيمة عادلة. . .
هذه لمحة من المقدمة التي مهد بها الأستاذ الحكيم لفصله أو لفصوله، التي كتبها عن اللغة العربية، وتعليم اللغة العربية، ومعلمي اللغة العربية، وأساليب الكتابة العربية، وعن ماهية الشعر، ثم عن الأدب العربي، ونقص تكوينه من حيث هو خلق فني، وعن العلاقة بين الفنون الكبرى والآداب الكبرى، وعدم محاولة الأدب العربي أن يزيد في نثره بالرغم من ازدهار الفنون الإسلامية، وما ابتلعته المدنية الإسلامية في جوفها من المدنيات الكثيرة، وعناية الأدب العربي الإنشائي باللفظ أكثر مما يجب، وأنه لم يشأ أن ينزل عن تكلفه الذي يعتبره فصاحة وبلاغة. . . وما حدث من جراء ذلك من:(أن روح الشعب قد تعطش للون جديد من الأدب غير لون البداوة الأولى. لون من الأدب مستمد من إحساسه هو بالحياة الجديدة المتطورة المتغيرة. . . أدب جديد قائم على فن مشابه ومسايرة للفنون الزاهرة المعاصرة، التي يراها بعينه ويهيم في مراميها بخياله. . . فلما لم يشأ أدباء الفصحى أن يمدوا الناس بحاجتهم، لجأ الناس إلى أدباء من بينهم لا يملكون أداة اللغة ولا جمال الشكل، ولكن يملكون السليقة الفنية وروح الخلق. . . وهنا ظهر الأدب الشعبي. . . فما ظهور الأدب الشعبي أحياناً إلا علامة قصور أو تقصير من الأدب الرسمي، أو صرخة احتجاج على جمود الفصحاء. . . هكذا ظهر القصص الشعبي في صورة عنترة ومجنون ليلى وكثير عزة. . . وسارت الحضارة الإسلامية، فسار معها الأدب الخيالي الاجتماعي الشعبي، فإذا نحن أمام عمل فني رائع هو (ألف ليلة وليلة)، ثم نبت في كل شعب من شعوب الإسلام قصصه الذي يطبعه بطابع عصره. فكان في مصر قصة أبى زيد الهلالي،