الأستاذ نقولا يوسف كاتب مصور من الصفوة المختارة ومن الرعيل الأول الذي اقتحموا مجمعان القصة المصرية فمهدوا طريقها وسلكوا حزونها وألفوا ضروبها وطامنوا أشتاتها، وأنا لنجد هذا القاص الممتاز يضرب في هاتك المهامه البيد منذ حقبة تزيد على ثلاثين عاماً لا يربع على شيء ولا يتعثر ولا يتلبث
ونقرأ في صدر كتابه الجديد جريدة بمؤلفاته التي أصدرها منذ عام ١٩٢٢، فنرى فيه المكافح المثابر الذي لا يبغي جزاء ولا شكوراً، فهو لا يلجأ إلى الناشرين أو الوراقين لطبع كتبه، وإنما ينشرها لحسابه الخاص ويوزعها هدايا على الصدقان والصحب وما بقي منها بعد ذلك لا يكاد يأتي بجزء ضئيل من تكاليف الإنتاج
ولكن عزاء الأستاذ نقولا يوسف أنه يؤلف حباً في التأليف وتنفيساً عن رغبة مكبوتة في ذات نفسه، ومن ثم فإنه لا يضر أن سبقه في منادح الشهرة والمجد القصصي تلاميذ له وحواريون درسوا عليه أواسط العلم أو أعاليه، فهو بهذا مغتبط أن تهيأ لها النفر من الشباب المتوثب طريق شقه لهم فساروا فيه
ولا على المؤلف الفاضل هذه النفقات الطائلة التي يخرج عنه لطبع مؤلفاته، فإنما هي ضريبة المجد والخلق الفاضل الذي طالما غرسه في نابتة هذا الجيل
وبعد هذه التوطئة التي لم يكن منها بد، يطالعنا الأستاذ نقولا يوسف بمؤلفه الجديد (مواكب الناس) وإذ نتصفحه ونمضي في قراءته إلى خاتمة المطاف يبدو لنا أن هذا الرجل ذا القلب الكبير يطوي بين جوانحه مأساة، فقد ضربه القدر في ابنته التي كانت ملء نفسه وريحانة عينيه فأظلمت الدنيا في وجهه وأخذ الرعد من كل مكان فإذا به يعمد إلى مسلاته الواحدة، وينشي (الصورة) تلو (الصورة) ثم يلزمها جميعاً في قرن، حتى إذا أقبل الصيف بهجره لم يرق له أن يستمتع بإجازته الطويلة كما استمتع سائر أنداده من المدرسين! وإنما