قامت في الشهور الأخيرة معركة حامية بين مجلتي لواء الإسلام والدكتور حول حديث الذباب فالأولى تتمسك بهذا الحديث وتصر على إثباته ليأخذ الناس به ويصدقوا بمدلوله مرتكنة على أن كتب الحديث قد أوردته ومنها البخاري. وأما الثانية فتدفع هذا الحديث وتستبعد صدوره عن النبي الذي لا ينطق عن الهوى؛ وحجتها ما أثبته العلم وحققته التجربة من ضرر الذباب وأنه ناقل للعدوى في أمراض كثيرة.
وإن المرء ليأسى أن يقوم إنسان في هذا العصر الذي زخرت فيه بحار العلم وأخرجت من درر المخترعات والمستكشفات ما يدهش العقول، وتسابق أهلوه في مضمار العلم ما استطاعوا للانتفاع بما خلق الله لهم وسخره لعلومهم في السماوات والأرض متخذين في ذلك كل سبب من أسباب العلم والتجربة - فيشغل الناس بهذه الأبحاث العقيمة التي لا تنفع ولا تفيد بل هي إلى إساءة الدين أدنى وإلى ضرر الناس أقرب
ولقد كان جديرا بمجلة لواء الإسلام التي نرى بين محرريها علماء فضلاء أمثال الأستاذين عبد الوهاب خلاف بك وعبد الوهاب حموده بك أن تسود صفحاتها بسطور مثل هذا البحث العقيم الذي يفتح ولا ريب على الدين شبهة يستغلها أعداؤه ويتوارى منها أولياؤه. وأن تدع الأمر في مثل هذا الحديث إلى العلم وما وصل إليه بأبحاثه الدقيقة وتجاربه الصحيحة التي لا يمكن نقضها ولا يرد حكمها!
وماذا يضر الدين إذا أثبت العلم ما يخالف حديثا من الأحاديث التي جاءت من طريق الآحاد، وبخاصة إذا كان هذا الحديث في أمر من أمور الدنيا التي ترك النبي صلوات الله عليه أمرها إلى علم الناس. وهل أوجب علينا الدين أن نأخذ بكل حديث حملته كتب السنة أخذ تسليم وإذعان! وفرض علينا أن نصدقها ونعتقد بها اعتقادا جازما!
إن الأخذ بكل ما جاء في كتب الحديث أخذ تسليم وإذعان إفراط في الثقة لم يأمر العلم ومخالف لما وضعه العلماء من قواعد لعلم الحديث. ذلك بأن الذي يجب التصديق به واعتقاده إنما هو الخبر (المتواتر) فحسب؛ وليس عندنا كتاب يجب اعتقاد كل ما جاء به اعتقادا جازما يبعث اليقين إلى القلب غير القرآن الكريم الذي جاء من طريق (التواتر)