أشكر لكم دعوتكم إياي، وأقدر عواطفكم نحوي. لقد اعتاد الناس والقراء أن يقدموا لأنفسهم بكلمة أولية يجعلونها كمدخل إلى الموضوع الذي سيكون محل حديثهم وسمرهم، وإني لا أملك نفسي دفع هذه العادة الطيبة المستملحة بل سأخضع لها فأقول، بأنني لم أستطع أن أختار موضوع حديث الليلة حتى أول أمس. فقد كنت مأخوذاً بين عدة واجبات وأمور لم يكن لي بد من أن تأخذ وقتي وتفكيري
والآن وقد خلوت لنفسي أعود إليكم، وقلبي مطمئن من ناحيتكم لأني واثق من أنكم ستولونني الكثير من التسامح فما أنا إلا فرد منكم وأنتم أيها السادة إخوان بل رفقاء لي، فلا تنتظروا المعجز من الكلام، ولا تطلبوا مني ما هو فوق المتناول
فما أنا إلا واحد من هذه الجماعة يريد أن يتحدث حديثاً يفيدني هذه الليلة المباركة الميمونة أعادها الله عليكم، وقد تحققت الآمال التي نصبو إليها جميعاً وأشرقت على العالم بأكمله شمس يوم الحرية والعدالة والديمقراطية الصحيحة
إنني مؤمن واثق بأن الأيام التي وعدنا بها وخطتها يد العناية في سجل القدر قد أصبحت حقيقة آتية لا ريب فيها، وحينما يأتي يوم النصر وتتحقق آمال الشعوب الحرة سنهتف جميعاً: الحمد لله الذي صدق وعده. . .
موضوع حديث الليلة قد نأخذه كموضوع واحد مكون من ثلاثة أشياء أو ثلاثة مواضيع تجمع بينها صلة الصلات. أما الفكرة الأولى التي تسيطر على فهمي تأريخ مسجد من مساجد الله هو مسجد أحمد بن طولون. فنحن في مصر قد أولع تاريخنا بإنشاء المساجد حتى أصبحت في عاصمتنا تعد بالمئات وهي لنا تراث للفن العربي في مختلف أدواره. ولقد اتجهت منذ حللت بهذه الديار إلى هذا النوع من الأبحاث فقلت لنفسي يوماً: لماذا لا