يتجه الأدب لتمجيد هذه الآثار وجعل الأحجار تنطق فتعيد إلينا ذكريات الماضي
وأمامنا كتاب الفرنجة وقد عالجوا مثل هذه الأمور فمن في عشاق الأدب الإنكليزي من لم يقرأ ما كتبه (راسكين) عن آثار البندقية؟ إن منادمة الآثار قد حببت الآثار إلى العالم الغربي وحببت الشرق أيضاً لأهل الغرب
وما نحن إذا بقينا كما كنا ولم نعبأ بشيء من الماضي؟
ولماذا لا أكتب شيئاً يحبب إلى هذا الحفل الكريم زيارة القاهرة والتعرف إلى شيء من مساجدها وآثارها؟ وهل هي ملك لمصر وحدها؟ لا، لقد اشتركنا جميعاً في إنشائها فهي لنا ولكم. وهي عنوان التراث العربي والتفوق العربي أمام العالم بأجمعه. ولهذا كله قد فكرت أن أجعل حديث الليلة عن جامع ابن طولون؛ وليس من السهل أن نكتب عن جامع ابن طولون بغير أن نذكر كلمة عن صاحبه. وهذه هي الوصلة الأولى والشق الأول من هذا الحديث
وإني لا أعرف تاريخاً قد ظلمته الأيام وغيرته النزعات وأهمله أهله مثل تاريخ مصر العربية؛ ولا أعرف تاريخاً قديماً غنياً بمصادره ومؤلفاته كتاريخ مصر في طورها العربي الخالد. فإن ظلمت الأيام هذا التاريخ فقد ترك لنا أهله المطول من المراجع والكتب المطبوع منها والمخطوط
فما على أبناء هذا الجيل الواثب المتطلع نحو العلا والمجد إلا أن يقلب صفحاته ليتعرف إلى نفسه وليكشف عن قوته وهي قوة لو تعلمون عظيمة
إن تعهد الوعي القومي يستدعي الاعتزاز والتمسك بالشخصية؛ وإن الأمم التي تعرف شخصيتها وتتمسك بها وتعتز، هي التي تجعل العالم المتمدن يقر لها بالاحترام والبقاء
نظرة في تعريف أحمد ابن طولون
في القرن الثالث الهجري، كانت الدولة العباسية تسيطر على جزء من أقطار المعمورة. وكان عهد الخلفاء المجاهدين الذين يباشرون القتال بأنفسهم قد انتهى بوفاة المعتصم، وكان النزاع بين حزبي العرب والفرس قد أضعف الفريقين، وكان أن ظهر عليها عنصر إسلامي جديد هو العنصر التركي، وكان نفوذ العاصمة مضعضعاً لترامي الأطراف واتساع الملك. ولذلك أدخل نظام الأقطاع وتقاسم القواد والأمراء الولايات