ما أظن أننا كنا نجد فرصة، مثل موسم الشعر، نقف فيها إلى الشعراء لنرى ما عندهم، فقد أنشد كل شاعر قصيدة هي خير ما عنده، أو من خير ما عنده. ولو أن الحفل كان لمناسبة من المناسبات التي يقال فيها الشعر في غرض واحد، لما كان يصح أن تكون مقياساً لتفاوت الشعراء وتفاضلهم، فقد لا يجيد شاعر في الرثاء مثلا ويجيد في غيره، وفي الوقت نفسه يكون إلى جانبه شاعر على عكسه في ذلك. أما موسم الشعر فقد قال فيه كل شاعر فيما يحسنه، وما تواتيه قريحته في تناوله، فالموسم إذن ميزان تميل كفته بالراجح في الشعر لا ينقص من قدره شيء
ولقد كان الناس يقولون بانقضاء الشعر بعد شوقي وحافظ، وكان الشعراء يدافعون هذا القول بوثبات غير مقنعة كل الإقناع، ولكن موسم الشعر حمل إلى الناس دليلاً على أن في الجيل الحاضر جيلاً من الشعراء لا بأس به في مجموعه، وإن كان منهم من برز وبرع
ولكن الفرصة كادت أن تفلت، وكاد الموسم يقضي بانقضاء الساعتين اللتين شغلهما الشعراء بإلقاء القصائد، مودعاً بكلمات إخبارية من الصحف لا تغني عن النقد شيئاً؛ فلم يقض الموسم من عمره إلا المرحلة الأولى وهي عرض الشعراء قصائدهم، فما كادوا ينتهون من ذلك حتى انفضت السوق ولم ينصب لهم ميزان؛ والحق أنني كنت أوثر أن أكون شاهدا للموسم، مستمتعاً بما يجري فيه على أن أجوب معمعته وأقيم ميزان النقد في سوقه؛ ولكن النقاد حرموني هذه المتعة بإحجامهم عن النقد، ولست أدرى لماذا أحجموا
أما وقد أخذت على نفسي أن أسلك في هذه المهمة سبيل الحق، عالماً بما في هذا السبيل من أشواك، موطد العزم على اجتيازها، فلا يبقى إلا رجاء التوفيق وإلهام الصواب. وأخذا في تلك السبيل سنتبع في تصفح القصائد وتفحصها ترتيب الشعراء أنفسهم في الإلقاء إذ كان ذلك على حسب الحروف الهجائية