أحب أن أعرب عن خواطري في تأليف الفلسفة الحديثة. فإن كثيرا من كتبها في السنوات الأخيرة كان مترجما إلى العربية من اللغات الغربية، أو مقتبسا أو مصنوعا للطلاب يتدارسونه في معاهدهم. ولم أجد سوى القليل من كتب الفلسفة بمعناها الصحيح الذي يكون دراسة للفكر والشعور، وفيضا للتأمل، أو حكما على المجتمع، وتجربة ذاتية للمؤلف.
من هذا القليل المنشور كتاب (أسرار النفس) للدكتور أحمد فؤاد الأهواني. ولقد شعرت وأنا أقرأ هذا الكتاب أني أعيش في عالم فلسفي مع الفلاسفة، فرحت أجول في صفحاته وآرائه بنظري وعقلي. وكانت نفسي تنجلي كما مضيت شوطا في القراءة والتأمل. فما أجمل أن نقرأ صور العقول مرسومة على الصفحات يخاطبنا أصحابها بسديد من آرائهم، ويزجون لنا بمناظر من نفوسهم.
كتب الدكتور الأهواني كتابه هذا بروح فلسفة مجربة. فليس هذا الأثر مدرسيا صنعه من أجل طلابه وتلاميذه وإنما جعله مرآة يستطيع كل مفكر أن يرى فيها نفسه، وأن يتلمس عندها حسه. إنه تجارب بسيكولوجية، وتأملات فلسفية صافية في الكون والفساد، والحياة والمشاعر، وفي وصف الأحاسيس، والتشريح الروحي.
مضيت فيه شوطا أستكشف معاني لمسي وشمي، وأسبر أعماق ذوق وسمعي، لأجد عوالم لا تنتهي.
ومن حظنا - مع فنائنا على الأرض - أن نمرح قليلا في تفهم كوننا الذاتي، ومعرفة أنفسنا؛ لنعلو على طبقة الحيوان الأعجم. وجميل بالفيلسوف البصير أن يدلنا على نفوسنا دلالة محكمة، ويمضي بنا وهو حامل مصباحه الوقاد ليبدد لنا في ظلمات نفوسنا أغوارها الدامسة.
ما أقدر الدكتور الأهواني على ربطه الذوق بالشم، وما أجود فلسفته التي ركبها على محور