للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

نصبه بين الإذن والعين. العين هذا الإبداع الإلهي الذي تجلس من حواليه كل عدسات المناظير وهي حيرى في تكوينه حسرى عاجزة عن مجاراته. كذلك كان المؤلف الحكيم يربط بين خلجات الأنفس ومشاعر الوجود، داخلة إلى دنيانا الروحية من مسالك السمع وشقوق النظر. وحين تبحر في تفصيل الذوق ذكرني بقولة قالها فولتير وهي: (أستاذك ذوقك) وقد تناول في هذا الفصل ذوق اللسان وأذواق الأرواح.

ومن هنا تتجه فلسفة هذا المفكر الأديب اتجاها اجتماعيا ينساب إلى أذواق الأقوام في طعامهم

ومعايشهم. وهل كان أجدى على الناس من البحوث التي تتناول روح الجماعات في ذوقها وحسها. وحين فرع من بابه الذي سماه: (عل الدرب) استطعت أن أعرف منهجه في التأليف. فهو يطرح الموضوع طرحا، ثم يطرقه من أطراف شتى ليستنتج من حقائق في البشر والوجود، يصوغ منها عظات بالغات، ثم يطبق آخر الأمر أحكامه عل بلده وقومه فينقد ويوجه أو يفند. فهو بذلك مفلسف أو مصلح.

وأراني أنظر في فصول بكتابه لها لون آخر، ولا سيما الفصل الذي فيه انتقال الفكر من إنسان إلى آخر. وهذا هاجسه يعجبني فقد جربت أن أنقل ما يدور برأسي إلى أناس معي، فكنت أصيب قليلا وأتعثر في الخطأ كثيرا. وقفت مرة على جزار في دمشق فرأيت المنوم الدكتور سلمون يشتري لحما. وكان مبلا من مرض، وأعصابه مكدودة. فلم أشأ أن أمازحه بشيء من التأثير الفكري فما كدت أقف قريبا منه دون أن يراني حتى ألتفت إلي وقال:

لا تشفق علي فأني أستعيد قدرتي على قراءة الأفكار قد عرفتك الساعة في انهدام نال لأعصابي فتزهد في مزاحك.

وخرج الدكتور الأهواني من انتقال الأفكار إلى السحر الذي يعرفه العامة في مصر، فساق شواهد من سحر الأقدمينمسحوبة إلى عصر المحدثين، ثم أجال الطرف في شجون الروح وشؤونها وانتقالها وتعبيرها، حتى أوشك أن يحطنا حول مائدة خشبية تنقر الروح عليها نقرات هي رموزها الغيبية. ثم ألزم بحثه هذا مبضع نقده فشق به شعوذة المشعوذين، وكذب الدجالين. وجرى هذا البحث الأسطوري إلى بحث آخر هو أعلق بالحياة وأعلى، هو الاتصال الروحي وقديما قيل: (بين الروح والروح سبيل).

<<  <  ج:
ص:  >  >>