للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قلت في مستهل الكلام إن الدكتور الأواني فيلسوف مجرب. ففي كتابه كثير من الشواهد التجريبية. وكان خير المتفلسفة أهل التجارب. . وفي كل إنسان مقدرة على هذا الاتصال الروحي تبدو فيه قوية أو ضعيفة، ويعوزها الصفاء، فكلما صفت خواطرنا، ورقت نفوسنا؛ اتصلنا بأرواحنا، وهفا بعضنا إلى بعض ولو كان بيننا ضيق السدود. ولقد سمعت بعض الصوفيين يعزى في الحب نفسه ويقول:

- إلى لأعشقها من غير أن تعلم بي

ثم سدد بطرفه شطر الأفق وقال:

- لا أطمع بوصال، حتى الزوال

كنت عصاري يوم في القاهرة منذ ثلاث سنين، مزمعا من الغداة عودة إلى دمشق، وبي شوق ولهفة إلى رؤية صديق فقلت لابد من ذلك قبل السفر. وانطلقت لأبحث عنه في الدروب وإذا بي أيلقاه في غير مشقة بناصية (عماد الدين) فابتدرني بقوله:

- والله خشيت سفرك دون أن أراك، فأنا الساعة أبحث عنك.

ويأبى على فيلسوفنا المؤلف طبعه فلا يفوت على قراءه ولا على نفسه بحثا هو اليوم من أطرف بحوث الفلسفة المعاصرة؛ ذلك كلامه على الأحلام. وكنت أن أوثر أن يتفرغ هذا الصديق إلى كتاب يصنفه في قضية الأحلام عند المسلمين والمفسرين كابن سيرين وأضرابه. وكيف تطورت الأحلام في الفلسفة الحديثة حتى صارت من أروع البحوث في التحليل النفسي عند الفلاسفة الفرويديين.

ومنذا الذي خلا ليلة من حلم. إننا لنرقد جميعا مثل الأطفال، وحين يسيطر علينا الكرى بسحره الأزلي ويطرحنا في المضاجع هناك ترف على جفوننا رؤى لا حد لها. رؤى زاهية التلوين، أسطورة التكوين، منسوجة من خيوط جنية. ونستفيق بغتة فلا نعلم لها سببا. تفر من أيدينا بمباهجها ونعيمها وجمالها الإلهي الذي لا مثيل له في الوجود. فإذا حلمنا بخير وددنا لو كان حقا، وإذا رئينا في المنام شرورا فزعنا في اليقظة فحمدناها أن لم تكن الشرور جاثمة في الحقيقة.

تلك أسرار في نفوسنا. فمن يدلنا عليها؟. لقد صنع جميلا المؤلف الأهواني في أن يعرفنا بأنفسنا، ويغوص بنا على أسرارها الرهيفة، فكان كتابه أحد ذخائر العصر في علم النفس

<<  <  ج:
ص:  >  >>