سألني بعض أصدقائي لماذا أومن بالشباب دون الشيوخ، ولماذا أرجو أن ينهضوا دونهم بعبء إنهاض الأدب العربي، وسد تلك الثغرات الشائنة فيه، تلك الثغرات التي تجعل مصر والشعوب العربية جمعاء تعيش في الماضي وتنجذب إليه أكثر مما تعيش في الحاضر وتتشوف إلى المستقبل. . .
وأريد أن أصحح لأصدقائي ما وقر في أذهانهم من أنني لا أومن بأدبائنا الشيوخ، إذ أنا، وقد جاوزت حد الأربعين، أكاد أنحاز إلى معسكرهم، منفتلاً من معسكر الشباب الذي يعز علي أن أفارقه، ويسرني أن أعيش فيه بقلبي ونشأتي وأفكاري وجهادي الأدبي المتواضع. . . أريد أن أصحح لأصدقائي هؤلاء ما وقر في أذهانهم من ذلك، إذ أنا أول من يجل أدبائنا الشيوخ، وأول من يعرف لهم حقهم الذي لا يماري في نهضتنا الفكرية والأدبية، وفي تبوء مصر تلك المنزلة الفريدة بين الأمم العربية. . . صحيح أنني أغضيت عن ذكر أحد من شعرائنا الشيوخ في سياق كلامي عن الدرامة المنظومة. . . وقد أغضيت كذلك عن ذكر أحد من الشعراء غير المصريين. . . أما لماذا أغضيت عن ذكر أحد من شعرائنا الشيوخ فليس سببه عدم الإيمان بهؤلاء الشعراء الإجلاء الأعزاء الذين سبقونا وعبدوا لنا الطريق وأبانوا معالم النهضة ووصلوا ماضي الأدب العربي بحاضره. . . إنما سببه تلك الروح الشؤمية السوداء المنتشرة في معسكر هؤلاء الشعراء الشيوخ. . . فأنت لا تكاد تتحدث إلى واحد منهم عن تخلف الأدب العربي على العموم والشعر العربي على الخصوص في مسايرة الآداب العالمية ومواكبة ما يجد فيها من مذاهب واتجاهات حتى يعبس وتحس بالضيق الذي يكربه، ويأخذ في الشكوى التي لا معنى لها من قلة التقدير في هذا البلد الذي قضى أن يعيش أدباؤه غرباء فيه. . . ثم يضرب لك الأمثال. . . فهذا العقاد لم يملك إلى اليوم قصراً ولم يقتن بعد ضيعة. وذاك المازني ما يزال يجالد بقلمه ويجاهد بدمه وبينه وبين شراء عزبة أو اقتناء أبعادية ما بين الأرض والسماوات. وهذا أحمد محرم لا تستحيي الدولة من أن تمن عليه بأنها رثت لحالته وأرادت أن تقدرها قدره فعينته أميناً لمكتبة دمنهور الإقليمية بهذا الراتب الضئيل النحيل القليل الهزيل من الجنيهات. ثم هذا