للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

أحمد الكاشف الذي لا أرى أن أجرح كبرياءه - هكذا يقول محدثي - فأذكر لك كيف يعيش. . . ثم ذاك طاهر الجبلاوي الذي يسهر الليالي في نظم درامته (ديك الجن)، تلك الدرامة الشائقة التي تعجب بها وزارة المعارف، ويقرها تفتيش اللغة العربية، وتكتب عنه إدارة التمثيل التقارير الشافية الوافية. . . ماذا كان جزاءه وماذا كانت مكافأته؟ هل رأت درامته ضوء الشمس؟ هل نفذت إلى أنوار المسرح؟ هل أحس بها إنسان؟ لقد نامت فيمن نام من أهل الكهف يا سيدي. . . ثم هذا الشاعر النابغة (رشاد راضي) ناظم درامة (جميل وبثينة)، ماذا لقي من زمانه وماذا لقي زمانه منه؟ أشهد لو أنك قرأت تلك الدرامة أو شهدتها على خشبة المسرح لفضلتها ألف مرة على مجنون ليلى للمرحوم شوقي بك؟! وذاك الشاعر النابه علي أحمد باكثير. . . لقد سهر المسكين عاماً وعاماً ثم عاماً ثالثاً فنظم درامة السماء أو إخناتون ونفرتيتي، ودرامة إبراهيم باشا بطل مصر الأول، ودرامة كذا وكذا وكذا. . . وفكر في الذي تفكر فيه من استحداث الشعر المرسل والشعر الحر في الشعر العربي، وابتدع في ذلك وأبدع، فهل أحس أحد به؟ هاهي ذي درامته (السماء) مطبوعة، وقد قامر بطبعها إبان جنون أزمة غلاء الورق، فهل تدري كم نسخة بيعت؟ وهل سمعت أن المسرح المصري شهد تلك الدرامة الشائقة الفائقة؟

وعلى هذا النحو أراد الشيخ أن يأكلني ويشربني لينتزع مني إقراراً بالموافقة على وجهة نظره التي تفيض بالشؤم - أقصد التشاؤم؟! - والتي تصدر عن روح كئيبة سادرة لم تعرف كيف تستهزئ بهذا الذي يسميه صاحبها قلة تقدير أو سوء إنصاف يقضيان أن تنحل أوصال الأدب وتفتر أعصاب الأدباء فلا يكون ثمة نشاط ولا يكون هنالك إنتاج، لأن الحكومة قاتلها الله لا تبيح خزائنها لهؤلاء الأدباء، ولأن الأمة صنع الله لها لا توليهم رعايتها، ولأنهم يأمرون فلا يطاعون، وينشدون فلا يجدون سميعاً. . . ألا رحم الله شاعر المعرة الذي اعتذر لقاضي قضاة مصر، أن يعيش في دنيا من ذهب، مؤثراً عيش الكفاف الذي جعل منه شاعر العربية وفيلسوفها الأكبر. ورحم الله دستونفسكي وولتر سكوت وكارل ماركس، ومئات الأدباء والشعراء الذين كانوا يذوبون جوعاً في حين تتخم آدابهم وأشعارهم وأفكارهم أدمغة العالم. . . إننا ما سمعنا قط أن أحدهم اتخذ من مسغبته حجة للانصراف عن الأدب أو التقاعس عن قرض الشعر. . . لقد رجوت محدثي أن يبحث لي

<<  <  ج:
ص:  >  >>