عن شاعرنا الكبير عبد الرحمن شكري أين هو من عالم الشعر ودنيا الأدب. . . وهو والحمد لله - غير محسود ولا مغبوط - في سعة من الرزق، ولم يفرض عليه أن يجالد بقلمه أو يجاهد بدمه ليعيش. . . أين هو اليوم يا ترى؟ أين بلبله الصداح وشحروره المغني؟ أين قيثاره وأين نايه وأين موسيقاه؟ ثم رجوته أن يخبرني لماذا هجر المازني الشعر. . . فلما عجز عن الإجابة توليتها أنا فأكدت له أنه عز عليه ألا يستحدث جديداً في الشعر العربي، وهو أعرف الناس بما عليه الشعر الإنجليزي من سمو وثروة واتساع ويسر، فغثيت نفسه وضاقت بأوزان الشعر العربي التي لم تتجدد قط مدى ألفين من السنين، اللهم إلا قليلاً. . . ولو أن الأستاذ المازني احتفظ للشعر العربي بميزته الشخصية التي هي الترجمة لأفاده فائدة جليلة القدر. . . إلا أن الكسل قاتله الله صرفه عن ذلك أيضاً. . . أما العقاد العظيم فهو سيد شعراء المعاني غير مدافع، والذين زعموا أنه لا شأن له بالشعر هم قوم قليلو البصر بالشعر، بل ربما كان الأحسن ألا يكون لهم هم شأن بالشعر. . . ولو أن العقاد كان يعنى بديباجته وتجويد أسلوبه الشعري لخر أمامه أولئك النقاد جثياً. . . لقد كان لنا في العقاد أمل ضخم رددناه يوم أصدر ديوانه الضخم المشتمل على ملحمة (الشيطان)، وكنا ننتظر أن يغزو العقاد للشعر العربي ميادين جديدة في الملحمة والشعر القصصي والدرامة. . . إلا أن العقاد انصرف عن ذلك إلى القصائد والمقطوعات. ولسنا نبالي السبب الذي صرفه عن ذلك، إنما نبالي أنه أضاع أملنا فيه بعد إذ كان أملنا معقوداً به. . . على أننا لا نزال نعلل النفس بالأماني في العقاد، لأننا أعرف الناس بقدرته في الإنتاج وصبره على الكفاح الأدبي نحو المثل العليا. . . أما أحمد محرم فلسنا نعرف عن جهوده في النظم المثالي شيئاً بعد إسلاميته الرائعة الطويلة الجديرة بالإعجاب. ونحن نتوجه إليه بالرجاء أيضاً أن يستيقظ، إذ هو في نظرنا في مقدمة شعرائنا تجويداً وطول نفس وتفضيلاً لفخامة العبارة وإشراق الأسلوب. وبهذه المناسبة أذكر شاعرنا الجارم الشيخ. . . ذلك الشاعر الغزل الرقيق. . . ماذا صنع في دنياه غير تلك القصائد التي يوجد من أشباهها الشيء الكثير في الشعر العباسي والشعر الأندلسي. . . لعل المعاش الهانئ الذي يتمتع به الشيخ، بارك الله لنا فيه، أن يوفر له من الوقت ما يعينه على نظم ملحمة أو قصة وإن كنا نطمع أن ينظم ملاحم وقصصاً كثيرة. . .