لا هم قد لبيت من دعاني ... وجئت سعي المسرع العجلان
ثبت اليقين صادق الأيمان ... يتبعني الحارث غير وان
جذلان لم يحفل بما يعاني ... لا هم فلتصدق لنا الأماني
ما لي بما لم ترضه يدان
كان صوت عبد المطلب يندفع بهذا الرجز عريضا يملأ الفضاء من حوله، نقيا يكاد يبعث الحنان فيما يحيط به من الأشياء. وكان كل شيء مستقر لا يضطرب فيه الا هذا الصوت العريض النقي وإلا هذه الذراع التي ترتفع بالمعول قوية ثم تهوي بها محتفرة ثم تدعه إلى المسحاة فتغرف بها التراب في المكتل، وإلا هذا الغلام الناشئ يرقب حركة أبيه ويسمع صوته ويرد عليه رجع هذا الصوت كلما وصل في الدعاء إلى هذا البيت.
لا هم فلتصدق لنا الأماني
حتى إذا امتلأ المكتل حمله بذراعيه الضعيفتين وأسرع بشيء من الجهد إلى خارج المسجد فألقى ما فيه ثم عاد وأبوه يرفع المعول في الجو ويهبط إلى الأرض ويملأ فضاء البيت بصوته النقي العريض والعرق يتصبب على جبينه ولكنه لا يحس جهدا ولا يجد إعياء. وكانت الشمس قد ألقت على الأرض رداءً من النور نقيا ولكنه ثقيل همد له كل شيء وآوى له الناس إلى بيوتهم يقيلون. وانقطعت له الحركة وخفتت الأصوات إلا هذه الجنادب التي يروقها وهج الشمس ويسكرها لهب القيض فتصدح بالغناء إذا سكت كل شيء وقد اخذ الغلام يحس لذع الجوع وحر الضمأ ولكنه لا يقول شيئا بل لا يكاد يفكر في شيء، إنما سمعه وقلبه لصوت أبيه، وعيناه للمكتل والتراب، ونشاطه لإفراغ المكتل إذا امتلأ. وهما في ذلك إذا غلام يسعى قد أرسلته سمراء يحمل إلى الرجل والغلام شيئا من طعام وشراب