أعتقد أن أهم ما تهدف إليه رسالة الصحافة في الوجود إنارة الرأي العام وتبصرة ببواطن الأمور وخفاياها، ولن تتمكن من تأدية هذه المهمة إلا إذا احتضنت الرأي الحر، وصارت مؤملا له. والصحافة التي لا تحتضن الرأي الحر ولا تصير مؤملا له - لا تعتبر صحافة في ميزان الحق ولو بلغت الذروة والقمة من الذيوع. . والصحف في مصر كثيرة لا حصر لها، ولكنها مع تباين مشاربها، وتنوع اتجاهها، وتعدد ألوانها، لا تظفر بواحدة منها تقسيم للرأي الحر وزنا، وتحسب له ولو ذروة من الحساب، فهي إما حزبية يهمها تأييد سياسة حزبها والتنديد بسياسة غيره، وإما مستقلة يهمها أن تظل على الحياد - مؤثرة نشر الموضوعات التي لا تحتمل الجدل، ولا تجر إلى المناقشة. وهي إما طائفية تعني بالدعاية لمذهبها، وسلق مخالفيه بألسنة حداد. وهناك لون رابع تافه تفاهة تجعله لا يشعر بوجوده ولا يكترث لظهوره.
والذي لا ريب فيه أن هذا التقسيم لا يشمل مجلتنا (الرسالة) إذ أن مشربا خاصا يميزها على غيرها، واتجاهها فريدا يجعلها في معزل عن سواها - أما مشربها فهو الأدب المصفى. تحمل إلى العروبة رسالته - وتتزعم وحدها جبهته، وتذود عن كرامته، وتنقيه من شوائب الدخن، وتحميه من بوادر الوهن. وأما اتجاهها فهو إلى تشييد حصن حصين للرأي الحر. وإقامة مسرح أمين للبحوث الجريئة، وبهاتين الخاصتين استطاعت الرسالة أن تشق طريقها في الحياة مرفوعة مكرمة. واصبح لها مكانتها المرموقة في مصر والشام والعراق والمغرب، وفي كل بلد ينطق بالضاد ويعتز بالعربية، وأصبحت موضوع ثقة الطبقة المثقفة، ومحل تقدير عشاق الأدب.
وحين نقول: - إن مشرب الرسالة هو الأدب المصفى. فإنما نقصد الأدب الخالص المعتمد الذي يتناوله الأديب وهو أكثر ما يكون اطمئنانا. ويتلقاه المتتلمذ إليها وهو أوفر ما يكون شوقا إليه وائتناسا به. وليس معنى قولنا: إن مشرب الرسالة الأدب أنها معنية بمادة الأدب وحدها، وإنما معناه أن الأسلوب في شتى موضوعاتها من الأدب الممتاز. حتى لتجد أن الألفاظ كلها منتقاة، وان العبارات جميعها مصفاة، وان صفحات الرسالة قد حرم عليها