للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[تعقيبات]

للأستاذ أنور المعداوي

لحضات جديدة مع مرجريت ميشيل:

شاهدت في الأسبوع الماضي فيلم (ذهب مع الريح) للمرة الرابعة ولا أذكر أنني شاهدت فيلماً من الأفلام أكثر من مرة واحدة. وهكذا يبدو الفن الجميل جديداً لعينيك دائماً، ولذوقك، ولمشاعرك! وحين تجتمع لقصة كهذه القصة عبقرية القلم وعبقرية الإخراج وعبقرية التمثيل، فقل إن الفن قد بلغ أوجه وأكتمل نضجه واستوى على عرش الخلود من أقر طريق!

ولقد قضيت مع مرجريت ميتشل لحظات جديدة، غير تلك التي قضيتها من قبل على صفحات الرسالة. . . والفضل في قضاء هذه اللحظات يرجع إلى الصديق الذي سألني بعد انتهاء العرض: كيف تعلل هذه الظاهرة الفريدة في تاريخ القصة، ظاهرة النبوغ الذي أنبثق دفعة واحدة من أول عمل فني قامت به هذه الكاتبة الأمريكية؟! لقد تعودنا دائما أن تكون بداية الكتاب والفنانين خطوة متعثرة تدفع إلى خطوات، ولمعة باهتة تفضي إلى لمعات. . . ثم تقبل النهاية التي تنضج فيها المواهب بعد طول التجربة واكتمال المران. ولقد أتيح لي أن أطلع على أكثر القصص التي أستهل بها أغلب كتاب القصة حياتهم الفنية، فكانت ألمس بوضوح مدى الفارق بين إنتاجهم الأول وإنتاجهم الأخير، وهو الفارق بين النبع في مرحلة الانبثاق الأولى حين يقطر، ومرحلة الانبثاق الأخيرة حين يفيض. أما مرجريت ميتشل فكانت ظاهرة غير الظاهرة وطرازاً غير الطراز، وحسبها أنها حطمت القاعدة المألوفة التي سارت عليها موازين النقد ومقاييس النبوغ!

وقلت للصديق الذي سألني رداً على سؤاله: لو كنت تعلم أن لقصة (ذهب مع الريح) قصة لما سألتني. . . ومع ذلك فما أجدرك وأنت قصاص شاب يريد أن يشق طريقه أن تستمع لهذه القصة، وأن تعيها، وأن تتخذ منها درساً يهدي ومنهجاً يفيد. بل ما أجد الكثيرين من كتاب القصة أن ينتفعوا بهذا الذي أرويه لك. إذا أرادوا أن يكون لهم في مجال الفن مثل ينشدونها وغايات! لقد أنفقت مرجريت ميتشل من عمرها عشرين عاما في قراءة القصص قبل أن تمسك بقلمها لتكتب أول قصة. . . ولم يكن إقبالها على القراءة بقصد التسلية أو

<<  <  ج:
ص:  >  >>