كان الدكتور زكي مبارك قد كتب في بعض أعداد (الرسالة) القريبة كلمة من (شجون حديثه) يدعو بها إلى زخرفة المساجد وتنميقها، ذاهباً إلى أن هذا مما يرفه عن النفس بعد مشاغل العمل، ويهدئ الخاطر، ويلهم الروح، ويرغب في المساجد، ويعين على العبادة! وذاهلاً - وهو مؤلف (التصوف الإسلامي) وإن كنا لم نره - عن أن العبادة الحق إنما تنبعث من نبع الإيمان في القلب، ومن مثابة الهداية في النفس، وتستلهم الروح لا المادة، وتتجه بحقيقتها المعنوية إلى السماء لا إلى الأرض. وهذه حقائق لا ينفع لإيجادها، ولا يغني في التسبب لها، أن نملأ الأرض - لا المساجد وحدها - بما يقترحه الدكتور من دُمى وتماثيل وتهاويل وتصاوير! بل إن كل أولئك لن يكون - إن وجد - إلا مشغلة للحس والوجدان والعقل، وصارفاً للنفس، في موقفها الرهيب العظيم عما يجب أن تفرغ له من استغراق وتأمل ومناجاة. وهذا بعض ما من أجله صرحت النصوص الدينية بالنهي عن زخرفة المساجد وتنميقها.
ذهل الدكتور عن كل هذا، وأخذ - وهو الرجل الأزهري رغم صبغته الجديدة - بما لا ينبغي أن يؤخذ مثله به، ولا أن يغلط في حقيقته! فلما قام فقيه في المسألة يرجعه إلى الصواب، وإرشاده للحق، استنكف ذلك وكبر عليه، وأخذته العزة بنفسه، فلم يرض لها أن تخطئ، ولم يرض لها - إن هي أخطأت - أن يردها عن الخطأ ناصح من المسلمين! والكلمة التي كتبت في الرد عليه بغير توقيع، وفي مجلة لا شأن للوعظ والوعاظ بها؛ ولكن هذا لم يكن من مصلحة الدكتور أن يفكر فيه، وليس من شأنه أن يعرفه، فإنه عسى أن يفسد عليه ما قصد، وهو لا يقصد إلا الأزهر والأزهريين.
وعلى هذه النية وهذا الأساس هاجم الدكتور الأزهر في أشخاص الوعاظ، وأقحم ذكرى الرجل الفاضل والمؤمن البار المرحوم الشيخ عبد ربه مفتاح في حديثه، وعرض نفسه وعلمه وثقافته وفكره الحر الطليق على شباب الأزهر عامة، وكلية اللغة العربية خاصة، وسمي الدكتور ذلك كله (زخرف المساجد).
بيد أن الدكتور قد عرض في كلمته الأولى، في (الرسالة) الصادرة بتاريخ (٢٦ من جمادى