الآخرة سنة ١٣٦٠) لما تعود هو وأمثاله أن يلوذوا بحصنه كلما حز بهم الأمر في ميدان من ميادين الخلق والعلم والدين، وهو المناداة بحرية الفكر، واصطناع الصراخ والعويل على ما يحاول رجال الدين الرجعيون الجامدون من حجر على العقل، وتكبيل للرأي، ومناوأة لهذه الحرية!! وتلك ناحية لا نحب أن يخلو حديثنا من الكلام فيها، إحقاقاً للحق، وإرشاداً للصواب، وحرصاً على فائدة من تعوزه هذه الفائدة من القراء.
وفي (الرسالة) التالية، الصادرة بتاريخ (٤ من رجب) عرض الدكتور لحضرة النائب المحترم مفتش الوعظ، فضيلة الأستاذ الشيخ محمد عبد اللطيف دراز من أجل كلمة ألقاها في مجلس النواب، وهذه أيضاً لا نحب أن نتركها حتى نحاسب الدكتور عليها.
حرية الفكر:
يظن بعض الناس أن الحرية هي التحلل من كل حرمة، والانطلاق من كل قيد، والخوض ما وسع المرء أن يخوض في كل ما يسنح لخاطره ويستهوي نفسه! فإن بصرهم ناصح بالصواب، أو ذاد عن حقه المعتدي عليه ذو حق، هب أولئك الناس في وجهه، يدقون طبول الحرب للدفاع عن الحرية المهضومة والفكر المقيد، جاهلين أن حرية الناس - إلا من العبودية لخالقهم جل جلاله - هي أول عقيدة دعا إليها الرسل والأنبياء، وأول مبدأ قام من أجله ذلك الصراع الطويل الهائل في تاريخ البشرية بين الحق والباطل والسماء والأرض. وهل قدس كتاب أو شريعة أو أمة، ما قدس القرآن الكريم، والسنة المطهرة، وسلف الإسلام الصالح، من هذه الحرية والدفاع عنها وتحقيقها في النفوس وتقريرها بين الناس؟ ومَن أولى بأن يعرف هذا للكتاب والسنة وسلف الإسلام من أعلام الملة وجنود الدعوة ورجال الدين؟؟
ولكنها الحرية بمعناها الحق، وفي هيئتها التي برأها الله على سنته من الوزن والتقدير والإحكام، ومراعاة العدل والحق في كل ما يبرأ وما يبدع، فلا يتجاوز خلق حده، ولا يخرج عن طوقه، ولا يطغى شيء على شيء في وجوده وكنهه، سنة الله ولن تجد لسنة الله تبديلا.
هذه الحرية الموزونة المقدرة التي لا تجهل ولا تظلم ولا تطغي، هي الحرية التي يقرها ناموس الوجود ويعرفها العقل ويدعو إليها الدين؛ وهي الحرية التي يطلبها الناس ويهيمون